نحن فصيل من فصائل المقاومة، عبارة بارزة في خطاب السيد حسن نصرالله أمس الأول. بارزة لأنها اعتراف بدور الآخرين، خاصة بعد مرحلة بدا فيها وكأن حزب الله يصادر صفة المقاومة، فيما تضافر على ارسائه طرفان نقيضان: الطرف الأول يتمثل في أعداء الحزب في الساحتين اللبنانية والعربية، الذين يريدون عزله وحصره بتمثيليته المذهبية الشيعية، وبالتالي الوصول إلى أكثر من هدف، من أهمها هدف استراتيجي قديم – جديد، هو وضع الصراع العربي- الإسرائيلي في إطار صراع ديني، مما يبرر المضمون الديني العنصري للصهيونية ومنطق يهودية الدولة، إضافة الى هدف لبناني داخلي لا يلبث أن يشكل امتداداته العربية والإقليمية، وهو ترسيخ البعد الطائفي والمذهبي لجميع الفئات السياسية على حساب البعد السياسي.
أما الطرف الثاني، فهو خط بعض المتشددين في الحزب نفسه، الذين اعتقدوا أن شد الوتر المذهبي يؤدي الى شد اللحمة وشحن الناس بشكل أفضل. وقد يكون ذلك صحيحا على المدى القصير، لكنه خطير على المدى البعيد لأنه يؤدي الى تحقيق الأهداف التي ذكرنا.
من هنا فان قول نصرالله بان النظام اللبناني هو نظام عاجز لأنه نظام طائفي، وذلك بصرف النظر عن الشخصيات التي تتولى القيادة والمسؤوليات، لأن الطبيعة الطائفية تجعل الخلل في الآليات نفسها، هو موقف ضروري وشجاع، يستكمل الأول، ويضع المقاومة والثورة أمام مسؤوليتها الطبيعية التي لا تتوقف على تحرير الأرض وإنما هي أيضا تحرير للإنسان. وإذا كانت الأرض هي أرض الجميع، فان تحرير الإنسان يستوجب احترام التعددية الإنسانية، احترام لا يتوقف على احترام الأديان والمذاهب، بل يتعدى الى تشكل التيارات السياسية العابرة للأديان والمذاهب. حيث لا ينكر أحد أن حزب الله قدم نموذجا فريدا في احترام الطوائف الأخرى في جنوب لبنان، ولم يسجل التاريخ، حتى خلال عمليات التحرير، أي نقض للاحترام الكامل للوحدة الوطنية ولاحترام المذاهب والطوائف الاخرى، بمن فيهم أسر المتعاونين والمتعاملون، سواء الذين هربوا الى إسرائيل أو الذين القي القبض عليهم وسلموا الى الدولة وأحيلوا الى المحاكم. خاصة أن هذا جاء بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي سلكت مسلكا مناقضا لذلك في كل المناطق ومن قبل كل الأطراف.
غير أن المطلوب يتجاوز هذا السلوك – رغم حضاريته – ولسبب يقع ضمن منطق الأواني المستطرقة. بمعنى أن احترام الآخر كمكون ديني، يفترض في أحسن الحالات، وبالمقابل، احترام هذا الآخر لك كمكون ديني. في حين ان المطلوب لقيام مجتمع صحي وحياة سياسية صحية ودولة، هو وجود الآخر والآخر السياسي،على أساس غير طائفي وغير مذهبي، والمقصود بها بوضوح الأحزاب والتيارات القومية والعلمانية واليسارية، خاصة ان هذه التيارات كانت في أساس المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي،وكل المقاومات العربية. بوضوح اكبر، ليس المطلوب لاي نموذج في لبنان،في العراق، في مصر او في سورية، نظام محاصصة طائفية ومذهبية تجعل من الوطن شراكة هشة، بل المطلوب دولة مواطنة يتساوى فيها الجميع ويتمتعون بحقوقهم لمجرد كونهم مواطنين، فحسب مما يجعل من الوطن وحدة صلبة.
وحدة لا تقوم الا بفصل الدين عن الدولة مع احترام جميع الاديان وكل الحريات الدينية، وحق اي محازب في ان يكون متدينا دون ان يدخل ذلك في لحياة السياسية. ولا يتناقض ذلك مع الخصوصية العربية الاسلامية لحضارة بلادنا، ولا مع تمتع هذه البلاد وحضارتها بمكونات ثافية اخرى سبقت الاسلام، منها المسيحية المشرقية، ومنها ما قبل المسيحية، من ارث غني عريض لا يقبل بالتخلي عنه الا لقطاء الحضارة. فهل من شجرة ضاربة الجذور تقبل بقطع نصف جذورها؟ ولننظر الى القارة الاوروبية لنتعلم درسين: الاول فخرها الثابت بجذورها الاغريقية – اللاتينية. والثاني انها لم تتمكن من الانتهاء الاهلية والخارجية الا بتحريم الانتماءات العرقية وفصل الدين عن الدولة، احتراما لكليهما.