عبر التاريخ كان اسوأ ما ينعت به كاتب انه كاتب السلطة واكثر ما يشرفه مواجهته لها، من سقراط الى ابن المقفع الى لوركا. فكيف بنا اذ يصبح البعض كتّاب سلطات الاحتلال. وللتاريخ والعدل تجب الاشارة الى ان الكتّاب، كبارهم، ظلّوا على امتداد العالم العربي اوفياء لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، انسجاما مع التزام وطني قومي من جهة ومع التزام انساني لا يسمح لمن يطرح نفسه كضمير للامة وللانسان – اية امة واي انسان – ان يقف الى جانب الظلم والاغتصاب والعدوان والعنصرية في ابشع صورها.
هكذا شهدنا خلال الاسابيع الاخيرة حدثين دالّين على الساحة الثقافية: رفض مجموعة من الكاتبات العربيات المشاركة في كتاب مشترك مع الكاتبات الاسرائيليات، حيث بدا ان مهندسي التطبيع اختاروا هذه المرة العنوان الخطأ، فليست اي من هؤلاء المبدعات تلك التي عملت سمسارة لاجتذاب كتاب عرب للمشاركة في كتاب عن مدن الشرق الاوسط مع كتاب اسرائيليين يهود يكتبون عن مدن فلسطينية باعتبارها مدن اسرائيل.
ويبدو ان السمسار الجديد وهو مركز دراسات الشرق الاوسط، في جامعة تكساس، أوستن استسهل خداع مجموعة من الكاتبات ( خزامى حبايب، رضوى عاشور، امل مختار، هيفاء زنكنة، ليلى الجهني منيرة الغدير، غادة السمان، هدية حسين، اميلي نصرالله، اثيل عدنان، ليلى ابو زيد، وابتهال سالم) بحجة اصدار مجموعة قصصية مترجمة لكاتبات من الشرق الاوسط، غير ان تنبه خزامى حبايب لمجموعة الاسماء المطروحة واكتشافها لوجود كاتبتين اسرائيليتين على القائمة، وتعميمها الامر على الاخريات، افسد الخطة ودارت معركة حادة نجحت فيها الكاتبات في سحب قصصهن بعد التهديد بالمقاضاة.
فشل الرهان الذي اعتاد سماسرة التطبيع المراهنة عليه وهو طمع كاتب بما يمكن ان يفتحه له التطبيع من ترجمة وتسويق واستضافات وجوائز وتنفيعات من ابواب السفارات والدوائر الاعلامية والتمويلية في الغرب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية اللعب على وتر عقد معينة، عرقية او مذهبية او جنسوية. خاصة وان اي خبير في علم النفس يعرف ان افضل حقول السقوط هي تلك التي تنطلق من عقد او من صغر امام المال والشهرة.
بالمقابل كان جزائري يسمي نفسه شاعرا، يدعى بوعالم صنصال، يحتال على القانون الذي يحظر السفر الى اسرائيل في بلاده، ويسافر الى فرنسا ومنها يأخذ تأشيرة الى اسرائيل، ليعود فيكتب مقالا طويلا يتغزل فيه بهذه التجربة الفريدة، بالبلاد الجميلة البهية، بالتعايش النموذجي بين المسلمين واليهود، بالايام الحلوة التي قضاها مع زملائه هناك وبالوعد الذي قطعوه على انفسهم باللقاء بعد عام.
غير انه يتباهى بأنه الوحيد الذي كان بامكانه ان يزور حائط المبكى والحرم القدسي معا، حيث كان حراس الحرم يمنعون دخول اليهود ويتحسسون من اي جواز اجنبي، الا انهم عندما راوا جوازه الاخضر – على حد تعبيره- رحبوا به واستقبلوه بحفاوة غير عادية.
في هذه الفقرة وحدها دلالة على ان هذا الكاتب ليس كاتبا، لان محدودية ثقافته وفهمه للامور لم تجعله يفهم لماذا يحتفي الفلسطينيون بالجواز الجزائري، لم يفهم ان الجزائر بالنسبة لهم هي ارض الثورة والشهداء والانتصار على الاحتلال الاوروبي بعد مئة وثلاثين سنة من تمكنه، ومن فرنسته للجزائر كما تهويد فلسطين. هذا الانتصار الذي يوحي لهم بحتمية الامل بالخلاص من الاحتلال الاسرائيلي.
في تعليق لها على المقال، تقول صديقة جزائرية ارسلته لي: نعرف ان استوديوهات التلفزيونات الفرنسية وربما العمالية ستنفتح له، وكذلك دور النشر وربما عقود النشر اذا اراد ان يصبح ناشرا. غير ان اخرى ترد عليها بان هذا قد حصل، حيث يقول الكاتب في نهاية مقاله المعنون: ” ذهبت الى اسرائيل وعدت غنيا وسعيدا” انه كان سعيدا برفقة الكاتب اليهودي دافيد كروسمان، الذي يحمل مثله جائزة السلام التي يمنحها النشارون الالمان، الاول عام 2009 والثاني عام.2011
هي قصة الاغراءات… من الترجمة، الى مراكز الدراسات، الى الحركات النسوية، الى الجوائز، والحبل على الجرار…