بعض الدوائر العربية الوطنية تصر على تسمية المستوطنات بالمغتصبات، وربما أصبح من المناسب أن نسمي كل ما هو عربي بالمستباحات. ففي الجانب الثقافي طالما شكونا من اغتراب المخطوطات العربية بحيث أن فرنسا وحدها تملك أربعين ألف مخطوطة عربية أصلية غير مطبوعة. وطالما شكونا من اغتراب اثارنا نحو المتاحف الغربية، والآن جاء دور الكتاب.
استباحة علنية عصرية تكنولوجية للمكتبة العربية، لعرق وجهد المبدعين العرب. حيث اعلنت شركة بريطانية عن أن مكتبتها الالكترونية التي تضم عشرات الآلاف من الكتب العربية قد أنجزت. أما كيف ومنذ متى يتم العمل؟ فلا تفسير الا أن تقاعس أمة عن واجباتها وحقوقها الطبيعية يترك للآخرين حرية التصرف به، أو لنعد الى المثل الشعبي البسيط ” الرزق السائب يعلم الناس الحرام!”
“اي كتب” ( اي الكترونيك كتب ) تقول ان قسما من هذه الكتب وسوف يكون متاحا مجانا، بينما سوف يتاح القسم الآخر للمشتركين. وان غايتها الأساسية من هذا الإجراء، – كما قالت – هي حفظ التراث الثقافي المكتوب باللغة العربية، وجعله متاحا لأوسع شريحة ممكنة من القراء والباحثين!! ورغم ان الشركة تقول انها لا تبتغي الربح المادي، الا ان طرحها للاشتراكات المدفوعة يعني ضمانة هذا الربح، كما قد يعني ضياع نسبة من الحقوق الفكرية للكتاب والمبدعين، حتى ولو انها طلبت من المعنيين باي حقوق الكتابة اليها للاعتراض، والى ان تبت المحاكم بذلك يكون ما مر قد مر.
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الكثير من الدول العربية لا تعتمد قوانين الحفاظ على الملكية الفكرية وحقوقها، وان عمليات القرصنة والانتحال والسرقة تكتسح الساحات العربية، ساحات النشر وساحات البحث والابداع، بل وحتى الجامعات، فان السؤال يكون مشروعا حول كيفية حماية المبدع او الباحث العربي الحقيقي؟ يليه سؤال: هل ستعمد شركة بريطانية الى تنزيل كل الكتب العربية، بما فيها ما يتناقض مع المفاهيم والتابوهات الاوروبية خاصة ذاك المكرس منها بقوانين؟ هل يمكن ان ينزل مثلا الكتب المتعلقة بالانتهاكات الاسرائيلية، بالتاريخ الفلسطيني، والكتب المتعلقة بسايكس بيكو او بسائر التقسيمات التي فرضت على المنطقة، او بالاستعمار بشكل عام، او بحرب الخليج في تفاصيلها الخفية او حتى كتب الابداع التي تحمل معاني لا تطيقها تلك التابوهات؟ الا نذكر ان ضجة قامت في الغرب ضد محمود درويش لمجرد قصيدة ” عابرون في كلام عابر”؟ وطالما ان الشركة اعلنت انها ستمكن القارىء من 500 كتاب للاشتراك المجاني و1000 كتاب للاشتراك المدفوع، بمعدل خمسة كتب اسبوعيا للفئة الاولى وعشرين كتابا للثانية، تنزل اوتوماتيكيا في بريده الالكتروني. فمن الذي سيختار هذه الكتب؟ وكيف ستقدم؟
وهنا يتقدم السؤال: لماذا لم يبادر طرف عربي الى عمل مشابه لما فعله البريطانيون؟ ولماذا يترك المبدعون العرب امام خيارين لا ثالث لهما: اما اللجوء الى طلب الحقوق من شركة بريطانية، وبالتالي الارتباط معها، والالتزام بمعاييرها، واما التغييب عن المكتبة الالكترونية العربية الوحيدة التي بهذا الحجم؟ نقول بهذا الحجم لان ثمة مكتبات عربية خجولة موجودة على الساحة لكنها ليست باي حال في مستوى منافسة المكتبة البريطانية المذكورة.
افلا يستحق منتجو العرب فكرا وابداعا لفتة عربية لا تجبرهم على الخضوع لشروط الغرب وانتقائيته وعلى ترحيل انتاجهم الى بريطانيا ليعود الى القراء العرب. خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان جيل الشباب بشكل خاص بات يتعامل مع القراءة الالكترونية اكثر مما يتعامل مع الورق؟ لفتة يبادر اليها اثرياء العرب من مثل الذين خصصوا مبالغ طائلة لجوائز باسمهم، وربما بسعي من اتحاد الكتاب العرب مدعوما من اتحاد الفنانين العرب. سعي يبدأ اولا بترتيب وسيلة لحماية المبدعين، من مثل التدقيق في موضوع هذه المكتبة البريطانية، ويتوازى مع ايجاد بديل عربي يضمن حقوق هؤلاء. ويمكن لاي اتحاد قطري او رابطة ان يحرك اتحاد الكتاب العرب على هذا الطريق.