في ايام الحرب الباردة وعندما كانت الموضة موضة الانقلابات، كان اول هدف لاي انقلاب هو السيطرة على الاذاعة. ثم جاء التفزيون ليؤدي دوره في تسويق وتثبيت هذا النظام او ذاك،وتشكيل الراي العام في هذا المجتمع او ذاك. ومع النظام العالمي الجديد انتقل الاعلام الى الخصخصة ليصبح كما قال بريجنسكي: ” بعد عصر المدفعية وعصر التجارة، وسيلة الولايات المتحدة للسيطرة على العالم”.
وبما ان هذه الهيمنة، في بعدها الشامل، لم تكن ممكنة الا بالهيمنة على منطقة الشرق الاوسط، لمواجهة اسيا الصاعدة واوروبا، كما كتب كولن باول عام 1990. فان معركة العالم تدور على ارض هذه المنطقة منذ ذلك التاريخ، بدءا من العراق، الذي شكلت الحرب عليه فرصة الهيمنة الكلية على الخليج، الى حرب 2006 في لبنان، الى حروب الانقسام الفلسطيني، والان الى سوريا.
وتطبيقا لنظرية بريجنسكي، جندت اموال النفط الهائلة لتامين اعلام فضائي، بتقنيات وخبراء وستراتيجيات غربية، ولسان عربي، ليشكل فصيلا من فصائل هذه المعركة ووسيلة من وسائل الهيمنة الاميركية على العالم. دون ان يكون ذلك جديدا، من حيث دور الاعلام، حيث تشيع في كليات الاعلام مقولة تحولت الى قاعدة علمية، وهي ان حرب فيتنام حسمت امام شاشات التلفزيون الاميركية، بقدر ما حسمت في ميدان القتال، لنعود قليلا الى الوراء ونجد دور وكالات اعلام الحرب وتطبيق الحرب السيكولوجية في الحربين العالميتين.
من هنا نفهم استهداف مؤسسات الاعلام السوري ( كما كانت المنار اول اهداف القصف في 2006)، من الهجوم على الاخبارية الى تفجير التلفزيون الرسمي امس، كما نفهم استهداف الزملاء الاعلاميين السوريين بالتصفيات الجسدية الوحشية، وتعمد تصوير عملية التصفية ونشرها لارهاب الاخرين. خاصة وان الفضائيات العربية الكبرى قد تجاوزت نظريات الحرب السيكولوجية الاميركية الى اعتماد نظريات غوبلز: ” اكذب اكذب، حتى تصدق نفسك ويصدقك الاخرون”، مما جعل مهمة الاعلام السوري في فضح اكاذيبها اكثر سهولة، وجعله يكتسب، رغم عدم تفوقه المهني،مصداقية في داخل سوريا وخارجها.
لكن ما لا نفهمه، على الاطلاق، هو صمت الجهات الاعلامية العربية، خاصة النقابية منها، عن استهداف الاعلاميين السوريين، خاصة وان ذلك يعفي الجهات المشابهة الدولية من هذا الواجب. فاين نقابات الصحافيين؟ اين اتحاد الصحافيين العرب؟ اين صحفيون بلا حدود؟ اين منظمات حقوق الانسان؟ اين لجان الحريات في مختلف الجهات، بما فيها اليونسكو؟ وقد حضرنا قبل سنوات احتفال اليونسكو في باريس بتكريم نزار نيوّف ومي شدياق، باعتبارهما تعرضا للسجن في سوريا وللتفجير في لبنان. وافقنا يومها على ذلك، وشاركنا في الاحتفال، ولكن هل ساقا وذراع مي شدياق اغلى من رقاب الصحافيين السوريين الذين لا يمتثلون لاغراءات الخليج وارهاب المرتزقة وستراتيجيات الاتراك والاميركيين والاسرائيليين؟ ولماذا لا يسمع الان صوت نزار نيّوف نفسه، الذي ينحاز اليوم الى وطنه، رغم ما لاقاه في السجن، ويدعو بالرحمة لروح من اعتقله وقضى في تفجير مركز الامن في دمشق، ويفضح ” رموز المعارضة” ومنهم ذلك الذي كان يتاجر باللحم الفاسد، بالشراكة مع ولد فاسد من فاسدي النظام، ويصنعا منهم المراتديلا، وعندما اندلعت الاحداث وجاء من يدفع له اكثر وينقله الى فرنسا، ثمنا لتامين صورة للمسيحي اليساري المعارض، تخلى عن تجارته الاولى ليدخل في تجارة مربحة اكثر.
هل سيغتالون نزار نيوف، الذي جعلوا منه “رمزا لحرية الراي” يوم كان ضد نظام البعث، لانه تعالى فوق جراحه واحقاده ووقف بقوة مع وطنه الان، وفضح “رموزهم”؟
الرد على الراي بالراي، على الخبر بالخبر، تاكيدا او تكذيبا، هوحرية لا جدال فيها. ولكن الاعتداء على الاعلاميين وعلى المؤسسات الاعلامية مرفوض بكل اشكاله، والصمت على ذلك مؤامرة مرفوضة بقوة اكبر لانها تشجيع على الاسوا ونذير شؤم للجميع وللمستقبل.