الرابح الحقيقي

الربيع العربي، 05-06-2012

اذا ما احتسمنا المال الذي جند لحملة المرشحين اللذين سيصبح احدهما رئيسا لجمهورية مصر العربية، واذا ما احتسمنا الانقسامات التي وقعت في صفوف اليسار واليسار القومي بحيث توزعت اصواتهم على اكثر من مرشح، واذا ما احتسمنا الاجواء النفسية التي يراهن عليها عادة مصممو الدعاية الانتخابية عندما يشيعون فكرة استحالة النجاح وما يعبر عنه بالصوت الضائع. واذا ما اضفنا الى كل هذه الحسومات الحرب الشرسة الاستئصالية التي يتعرض لها التيار القومي ايا يكن تفصيله، منذ عقدين، على امتداد العالم العربي،  ومنذ ثلاثة قرون في مصر. فان حمدين صباحي تفوق بامتياز في الانتخابات الرئاسية المصرية.

الرجل العادي، ابن الشعب البسيط، ابن البلد الطيب، الذي لا يقف وراءه مال نفط ولا تمويل اجنبي ولا ماكينة اعلامية  عربية او اجنبية، الرجل الذي يشبه الناس في كل شيء، ابتداءا من ابسط امور الطبيعة الانسانية: المرض، الذي اراد خصمه الذي يدعي الدين ان يعيّره به، فاذا بصراحته في الرد تقرّبه من الناس اكثر. الى الموقف القومي الذي  وضعه خلال الحرب على العراق في السجن الصغير مثله مثل كل الشعب الذي كان في السجن الكبير، كي لا يسمع صوته ضد التواطؤ والتعامل مع الاحتلال، وكي يفرض عليه ان ينسلخ عن جلده والا يحس في مصر بجرح العراق، وقس على ذلك.  الى التوازن في المعادلة الكامنة في شخصية الانسان العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص: ثنائية الدين والقومية، دون أي تعصّب في الاول ودون أي ربط بالاحداث للثاني. فاذا كان لا يمكن لاي عاقل ان يقارب سيكولوجية الانسان العربي دون ان يتجاهل مكونا اساسيا هو الايمان الديني، مما جعل رموز القومية  يعترفون بذلك ويحترمونه، من عبد الناصر الى مفكري القومية العربية في الشام وحتى انطون سعادة الاكثر علمانية والذي عرف بمقولته المشهورة: “كلنا مسلمون لرب العالمين، منا من اسلم لله بالانجيل ومنا من اسلم لله بالقران ومنا من اسلم لله بالحكمة”، وفصّل ذلك في كتاب خاص بعنوان الاسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية. فان هذه الحقيقة نفسها هي التي تجعل الواعين من الناس يرفضون ان يزايد عليهم احد في تدينهم، وان يتعامل معهم بفوقية وكان الله كلفه بان يكون وسيطا ومعلما ذا عصاة. كذلك  ايضا لا يمكن لاي موضوعي ان يرى في هذا المكون عنصر تعصّب ورفض للاخر ومصادرة لحرياته بل واقصائه وارهابه.

واليوم اذ يطالب شباب الثورة في مصر بمجلس رئاسي يضم جميع المرشحين للرئاسة الذين حازوا على نسب عالية من الاصوات لم يعد ممكنا تجاهل الحضور القومي، كما انه لم يعد لاحد بعد اليوم ان يقول بان القوميين هم القومجية، وانه عفى عليهم الزمن، وان الناس الذين لا يلتحقون بالعولمة الاميركية، ولا يتعطرون برائحة النفط، لا يجدون لهم مكانا في صالة السياسة. لم يعد ممكنا القول بان عصر الدول الماكرو والمجتمعات الحضارية العريقة في العالم العربي قد انتهى لصالح الدول الميكرو والاكثر غنى.

قال غالبية الناس نعم لحمدين صباحي، لكنها في الواقع كانت لا لنظام اراد ان ينسيهم انهم يوما بنوا السد العالي وامموا القناة وطوروا الزراعة وتمكنوا من التعليم المجاني وحرروا المراة دون تحويلها الى اداة استهلاكية (مستهلكة  بفتح وكسر اللام )، وارتقوا بالفنون والاعلام والاداب،  وساهموا بكل ثورات العرب من اليمن الى الجزائر. انه كان هناك زعيم يقول لهم: ارفع راسك! لكنهم لم ينسوا رغم انهم دفنوا بالديون والتبعية وخيانة القضايا والاشقاء.

كذلك كانت لا لمن يريد ان يجعل من ايمانهم الديني التلقائي المنفتح، وسيلة لتدمير كل ما تبقى من تلك المنجزات، وتحويلهم الى جهلة او ماجورين او ارهابيين.

كانت نعم لتاريخ الازهر  والبابا شنودة، ورفضا لوهابية تحجم الاول ولاصابع اجنبية تريد تدمير ما كرسه الثاني.نعم للتاريخ الالفي العريق ولا للطارىء الذي يظل طارئا مهما لمعّوه وحملّوه بالدولارات.

على اية حال، انتهت الانتخابات ولكن لتبدا المعركة الحقيقية، حيث ان الاهم هو ان هذه النتائج اعادت الثقة والحماس لخوضها، لكنها ايضا ستؤجج لدى العدو الاستنفار الجديد لمواجهتها،  والرهان لن يكون سهلا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون