” هل فى الأفق صراع بين (العسكر) و(الإخوان) أم هو اتفاق بليل بينهما برعاية أمريكية لإشغال الناس، وإنهاك مصر حتى تظل صغيرة، وفاقدة للدور والرؤية وهو عين ما تتمناه تل أبيب؟! ”
هذا االسؤال الذي يطرحه كاتب مصري لا يقتصر على مصر وحدها، وإنما يمتد ليشمل اية ساحة عربية أخرى، وخير دليل عليه لبنان الذي يعيش منذ عام 1975 سياسة انهاك تمتص كل مقدراته وامكاناته، وبقدر اكبر العراق الذي لا يقارن في لبنان بمستوى قدراته ولكنه أصبح يقارن به بطبيعة الصراعات التي اكتسبت منذ السبعينيات اسم اللبننة ( وكل بحجمه).
الثورات العربية لم تخرج عن هذه الدائرة، حتى ولو تم إلباسها ( كالمرأة اليمنية ) طبقات من الأقمشة الملونة التي تخفي الجسد بل ومعالمه ومعالم شخصيته. وأهم هذه الطبقات عملية الانتخابات التي تغني ولا تسمن، مهما كان مخرجها هيتشكوكيا بارعا بحيث اقنعنا بانها أفرزت ما لم يكن متفقا عليه في صفقات مسبقة، جند لأجل تنفيذها كل شيء وأوله المال.
لا يعني هذا أن الشعوب العربية لم تكن تعيش غليان الثورة، ولم تكن ستصل عاجلا أم آجلا الى تفجيرها، فذاك قدر التاريخ والنتيجة الطبيعية لتطوراته في العقود الاخيرة في المنطقة ومنطق السيكولوجية الجمعية لهذه الشعوب ذات الطبيعة الثورية الخاصة. ولكن ما حصل من التفاف أمريكي غربي هو أمر يندرج انكاره في بابين لا ثالث لهما: إما السذاجة السياسية وإما الإنكار من باب الفائدة التي تترجم بأشكال متعددة، إحداها شهوة الحكم، واما اقتصار ردة الفعل على العقلية الثأرية التي لم نخرج منها بعد منذ أيام البسوس.
التغيير؛ كان حلمنا جميعا، شريحة الثوريين العرب الحقيقيين، ولاجله ناضلنا منذ وعينا على الحياة ودفعنا اثمانا غالية جدا. ولكن اين اصبح الحلم؟ في عراق ممزق منهوب لا يصدر الا النفط والمذهبية ودعوى الانفصال الكردي؟ في لبنان مستباح لكل مخابرات الارض ومحروم حتى من الكهرباء؟ في ليبيا التي تحولت الى قبائل تتذابح وشرق يطالب بالانفصال وعاصمة تريد التسلط والتحكم بكل البلاد، وانتخابات تمنع نصف الشعب من حقه في الاقتراع، ونفط وغاز يسيلان تحت كل هذا الضجيج الى حيث اراد من كلفوا الصهيوني برنار هنري ليفي بادارة الازمة؟ واخيرا في مصر، قبلنا، رغم كل الشكوك بنتائج انتخاباتها على اعتبار انها ترسخ تقليدا ديمقراطيا، فاذا بالمسؤولين الامريكيين الصهاينة يتوافدون واحدا تلو الاخر وكل منهم قبل ساعات او ساعة من صدور قرار معين، من مثل قرار اعادة مجلس النواب، وذلك بالتزامن مع اجتماع لجماعة الاخوان تقرر فيه الغاء القرار، مما يجعل الكثيرين يتساءلون هل نحن امام تجربة العودة الى عام 1954 وكسر جرة التعايش بين الاخوان والاخرين، وصولا الى مواجهة بينهم وبين الجيش؟ ام ان الامر اخطر لان الطرف الامريكي الذي اشرف على عقد الصفقة بين الاثنين هو من سيقرر مجرى الامور لانهاك مصر بحيث تظل صغيرة وفاقدة للدور؟ كما يتم انهاك سورية، وكما تم انهاك العراق، والنتيجة: لمن هو الدور العربي إذاً؟