منذ الستينات وحركة التمرد الماركسي تنشط في كولومبيا وتعيش مواجهة قاسية مع الحكومة، مواجهة ولدت عصابات تهريب مخدرات، واعمال عسكرية وتدخلا اجنبيا، اميركيا على وجه الخصوص لم يفض الى شيء.
اخيرا فهم الطرفان ان لا مهرب من الحل السياسي، وذهبا الى العاصمة الكوبية للاجتماع والحوار بحثا عن حل في حضن جار اقليمي.
الطريف ان خبر هذا الاجتماع ورد في نشرة بي بي سي، قبل حديث مع الاخضر الابرهيمي مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا. ولكن المذيع الذي سعى لان يكون خفيف الظل – في مجال لا مجال فيه لخفة الظل، اصر على ان يحاصر الاخضر باسئلة تبدو وكانها رفض للحل السياسي الذي كان يركز عليه المبعوث الدولي. الديبلوماسي، اصر على الاجابة بديبلوماسية، لكنه اصر على موقف معروف له: اما الصومال واما الحل السياسي. الخيار مخيف! ولكن صراحة الطرح واجبة. وفي هذه الصراحة ايضا يقول الوسيط ان مهمته قد تكون اصبحت اسهل من مهمة سلفه كوفي عنان، لان الطرفين باتا اكثر انهاكا، وربما اقتنع كل منهما بانه لن يتمكن من الحسم العسكري. واذ يواجهه المذيع بان المعارضة لا تريد الحديث الى السلطة، يجيب بان مهمة الوساطة ان تخاطب من لا يريدون التخاطب فيما بينهم. اذن هو لم يصل بعد الى مرحلة طرح طاولة حوار، ولكنه يرفض بحدة – يتعب في اخفائها – خيار التدخل العسكري الاجنبي وخيار المناطق الامنة لانه مدخل للتدخل العسكري، وربما جاء تذكيره بالحرب الجزائرية او الثورة الجزائرية في مجال دفاعه عن المصطلح، لينبه – ولو عن غير قصد – الى ما يعنيه التدخل الاجنبي والاحتلال الاجنبي، والى حجم التكلفة التي يجب على شعب ما ان يدفها للتخلص منهما في المستقبل.
ورغم ان الرجل اصر على ان الحل يجب ان يتحقق بين السوريين انفسهم، الا انه لم يغفل عن وضع الازمة في دوائرها المتتالية الثلاث: الدولية فالاقليمية فالداخلية، متحدثا عن ان اكثر الاطراف الدولية باتت تعي خطورة الوضع، ولن جزءا كبيرا من المعارضة بات يقبل بالحل السياسي اذا تمكن من تحقيق اهداف الشعب. لكنه لم يقل شيئا عن الدائرة العربية والاقليمية، فيما يؤشر الى انها الاكثر تعقيدا وصعوبة، ولم يتحدث عن الجماعات المسلحة التي لا تنتمي الى فصائل المعارضة السياسية، فيما يؤشر الى ان الحوار مع هذه الجماعات هو الاصعب. غير انه ربما يكون قد اغفلها لانه يعتبر ان حراكها مرهون بارادة الدول العربية او الاقليمية التي تغذيها، والتي اذا قررت الدخول في الحل السياسي، وقررت بالتالي قطع هذا الدعم،او تجفيف المنابع كما اعتدنا ان نسمع، فان هذه الجماعات لا تلبث ان تتوقف عن القتال.
من هنا يبدو ان العقدة الصعبة في المعادلة لا تكمن في الدائرة الصغرى: الداخل السوري ولا في العقدة الكبرى: الدولية وانما في العقدة المتوسطة: العربية والاقليمية. واذا كان الاخضر الابرهيمي قد قال بان كل من يحب سوريا ايا كان موقعه يجب ان يقف ضد استمار شلال الدم، فان السؤال المنطقي يصبح: من يحب سوريا؟
من يحب لسوريا الوطن ان يكون قويا وتوافقيا ومن يحب لها ان تكون صومال اخرى؟