في تعليق على مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس المصري الجديد، طرح احد رؤساء التحرير العودة الى اقتراح جريمة “افساد الرئيس”. والتقى معه احد رؤساء الاحزاب المصرية بعبارة: ” نحن نصنع الفرعون”. لم يكن في ذلك انتقاد للرئيس مرسي بل لسلوكيات السياسيين والصحافيين والمثقفين. وقد اوضح الصحافي مقولته بمسألة عملية، منها ان احدى الصحف خصصت صفحتين لزوجة الرئيس تحت عنوان ” ام المصريين” وان سياسيا سجل عنه انه قال يوما لمبارك: ” يا مجرم ما تترك جمال ياخذ دوره” قد حجز صفحات تهنئة لمرسي بقيمة نصف مليون دينار. وعندما قالت المذيعة ان الرئيس طلب عدم نشر اي تهان له في الصحف، ذكّر الصحافي بان مبارك ايضا طلب ذلك لدى انتخابه. وان المطلوب من الثورة ليس مجرد الطلب وانما اصدار تشريع يمنع ذلك مكررا اصراره على عنوان: افساد الرئيس.
لكن هل ان اشتراع قانون يكفي لتغيير هذا المرض الذي نراه كلما تطلعنا يمينا او شمالا، هذا المرض الذي افسد النفوس فراحت تفسد كل مسؤول من رئيس الجمعية الى رئيس البلاد؟
اذكر انني ترجمت كتابا للمفكر الفرنسي، رئيس الورزاء السابق: دومينيك دو فيلوبان، بعنوان “صرخة الغارغوي “، هو بمثابة رؤية فلسفية سياسية نقدية للحياة السياسية الفرنسية، بناها على تجربته كأمين عام للرئاسة الفرنسية، وقد خصص في هذا الكتاب فصلا خاصا بعنوان: “روح البلاط “. ملخص هذا الفصل فكرة واحدة هي ان الثورة الفرنسية قضت على البلاط لكنها لم تستطع ان تقضي على روح البلاط، ومن هنا فساد الطبقة السياسية الفرنسية، وتحول كل رئيس بعد فترة من انتخابه الى لويس الرابع عشر.
ملاحظة مخيفة، فاذا كانت الثورة الفرنسية بفكرها وعظمتها لم تستطع بعد اكثر من قرنين ان تقضي على روح البلاط، فما الذي ستفعله ثوراتنا العربية التي لم تأتنا لا بشرعة حقوق المواطن ولا بدولة المواطنة، لان مجتمعاتنا ما تزال بعيدة عن هذا المفهوم؟ بل ولنكن دقيقين في التعبير: ان مجتمعاتنا تعيش ردة مقلقة بخصوص مفهوم المواطن ودولة المواطنة، لان نمو الهويات الفرعية من دينية ومذهبية وطائفية وعرقية هو ارتداد على الهوية الوطنية التي لا تعترف الا بالانتماء الى الوطن وتفصل بين الدين والدولة.
هل ان التسلط هو خصوصية انسانية، والسعي للاحتفاظ بالسلطة ايا كان الثمن هو ظاهرة تندرج من رئاسة الدولة الى رئاسة جمعية، بكل ما بينهما؟ واين يكمن العلاج؟
هنا تقود المقارنة والتأمل الى ملاحظة: حتى روح البلاط وافساد الرئيس، في بلاد كفرنسا، كما في كل الدول الديمقراطية، يظل محدود الاثر اولا لانه لا يتعدى البلاط، اي الدائرة المحيطة بالرئيس الى المجتمع خاصة الاعلام والثقافة والاحزاب وثانيا بفضل احترام قانون التداول بشكل خاص ودولة القانون بشكل عام وبفضل احترام الحياة الحزبية التعددية التي تتبادل السلطة فيما بينها وفق الخيار الشعبي، ويعرف من يهزم منها في الصناديق ان دوره في المراقبة والمحاسبة من موقع المعارضة لا يقل اهمية من دور الفريق المنتصر الحاكم. وهنا مربط الفرس سواء بالنسبة لمصر او لسواها… اما ان نبقى ضحايا نفاق المنافقين، واستمرار البطريركيين في البحث عن ام واب للأمة لا عن قائد مسؤول يحاسب. ام تصبح ام الشعب لمجرد انها ام اولاد الرئيس، و ورئيس صورته المشتركة بين جميع الانظمة، هي تلك التي يقبل فيها طفلا لتكريس الابوية، حتى اذا كرّسناها تحول هو الى فرعون لا يقبل الحساب ولا يقبل تداول السلطة… طالما انه لا يمكن تداول الاباء. وبالتالي لجأنا الى قتل الاب للاتيان بأب اخر. قد يبدأ حياته جنديا،طيارا متفانيا، لكننا نحوله الى فرعون. واما ان نكرس حراكنا الشعبي للتشريع بحيث توضع القوانين التي تحدد اطر الحياة السياسية بشكل حديث، يكرس الحريات الفكرية التعددية والرؤى المختلفة التي تجعل كل فريق اهلا لمراقبة الفريق الاخر وفق رؤية وبرنامج واضحين.