مسلسسلات رمضان

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 23-07-2012

بشكل او باخر يتشابه الموضوع، فالمسلسل الذي يروي حياة الخليفة عمر بن الخطاب هو تاريخ لمرحلة فريدة في التاريخ العربي الاسلامي، ومسلسل الغالبون الذي يروي سيرة المقاومة في جنوب لبنان هو كذلك. لذا كان لا بد للاستجابة للجاذبية التي يمثلانها والتنقل بينهما. خاصة ان المقاربة الفنية تجعل هنا اسم وليد سيف وحاتم علي، وهما اسمان كبيران حققا معا افضل المسلسلات التاريخية التي رأيناها على شاشاتنا. كما تجعل هناك نجاح الجزء الاول من الغالبون بتوقيع باسل الخطيب في رمضان الماضي وحصوله على الجائزة الذهبية في مهرجان التلفزيون العربي.

منذ الحلقة الاولى ترتسم ملاحظات اولية:

لا شك في ان العملين يرويان تاريخا اسلاميا، لكنه تاريخ يخص كل العرب. وقبل ان ندخل الى المضمون فوجئنا بتناقض يكمن في كون معظم الممثلين الذين يتقمصون شخصيات الغالبون، هم من غير الشيعة، مسلمين سنة او مسيحيين، والجهة المنتجة تفخر بذلك وتسوقه، في حين وجدنا المخرج حاتم علي يضطر الى الرد على الاتهامات التي تقول بان الممثل الذي يؤدي عمر ليس مسلما سنيا، بالتأكيد على انه كذلك، والتذكير بان انطوني كوين قد ادى عمر المختار وحمزة.

في الحلقة الاولى: كانت المفاجأة ايضا في الحوار الذي يدور بين عمر ( التاجر في الشام وهو بعد على وثنية ما قبل الاسلام ) وبين تاجر شامي مسيحي يرافق تاجرا روميا. حيث يصور هذا الاخير باسوأ ما يمكن ان يصور به شخص من الذل والوصولية والخداع وبيع الذمة، وعندما يقول له عمر باننا اخوة في العروبة، يرد عليه لكنك لست اخي في الدين، فاذا ما اعتنقت ديني صرنا اخوة، ثم لا يلبث ان يدعوه خلسة الى عملية تجارية شبه احتيالية. وبعدها يدعوه الى جولة في الشام، والى حانة شخص اسمه ” جرجس” وعندما يمر بهما جندي رومي ويتعدى عليهما لا يرد الشامي ويتقبل الاهانة، فيستهجن عمر لكن الرجل يقول بخنوع المتعود ان الرجل جندي بيزنطي. وهنا يقول عمر ما معناه ان عرب الجزيرة ما زالوا على كبريائهم في حين ان عرب الشام قد افسدوا.

وهنا استغرب بدوري، وانا التي لم تترك مسلسلا لوليد سيف الا وتغزلت به وبعمقه التاريخي، والتي عملت معه على افلام وثائقية تاريخية، استغرب هذه المقاربة، خاصة مع شخصية عمر، الذي يعتبر نموذجا في تاريخ الاسلام لاحترام الاديان الاخرى، وقصة كنيسة القيامة معروفة. فمن قال ان مسيحيي الشام كانوا على هذه الذلة والفساد؟ وما هي خلفيات معركة مؤتة؟ الم يكن تواصل وتنسيق بين الرسول محمد وامير غسّان في بصرى ضد الروم؟ من الذي كان دليل خالد بن الوليد في معركة اليرموك؟ ولمذا يحمل غساسنة الاردن لقب العزيزات؟ اوليس لان الرسول قال عن سيدهم ان الله اعزّه في الجنة؟ ثم ان الامر يصل الى ما هو ابسط من ذلك بكثير، فاللفظ السوري السرياني يقول جريس وليس جرجس، فذاك لفظ مصري، رغم انه الاصح.

وحتى في موضوع اللغة، فلم يكن اهل الشام ولا اهل الجزيرة قد اعتمدوا بعد عربية قريش، لانها لم تعتمد وتعمم الا عندما اصبحت لغة القرآن الكريم. في حين كان الشوام يتحدثون السريانية. ولهجات عربية محددة لدى الغساسنة والمناذرة.

من جهة ثانية تأتي السينوغرافيا لترينا مدينة دمشق من دون عرق اخضر، ولا تشبه الا مدينة رومانية من تلك التي نراها في الافلام الاوروبية، ولا شيء في شوارعها وحاراتها مما نعرف. بل ان عمر يدخلها من باب شرقي ( وهو المعلم الوحيد الذي نقل بدقة ) لكن عبر سهل من الرمال لم نعرف من اين اتى به المصمم؟

والحقية ان ما يهمنا في الامر اليوم ليس التاريخ، لان التاريخ لا يهم الا بقدر ما يساهم في تشكيل الحاضر والمستقبل، ومن هنا نسال: لمصلحة من تشويه اهل الشام بهذا الشكل؟ وتشويه صورة المسيحي بهذا الشكل؟ في مرحلة سياسية واجتماعية يتكالب فيها الخليج على الشام، وتثار فيها الفرقة والنعرات الطائفية والمذهبية تحقيقا لكل اهداف التدمير الداخلي الذاتي. فلو ان النص شيطن شخصية الرومي لقلنا انها مقاربة قومية، كما كان الامر في مسلسل صلاح الدين وكما عملنا معا على فيلم وثائقي عن حلب ونور الدين وصلاح الدين وسيف الدولة الحمداني، الامير الذي لم يكن سنيا وحمى ديار الاسلام وحده في مرحلة انهيار الخلافة. لكنها شيطنة تتعمد، وبشكل فاضح شيطنة الشام في مقابل الجزيرة. وليس مقابل الاسلام لانه لم يكن في هذه الحلقة قد نزل بعد. وهل تفتحت دولة الخلافة العربية الاسلامية الا في عاصمة الامويين، وبعلوم الاولين؟

نفهم ان التمويل خليجي، لكن التاريخ اكرم. ونذكر كيف كان التمويل الخليجي الاماراتي – ولانصاف التاريخ – يقدم لنا اعظم الاعمال القومية من دون تركيب هذه الاعتبارات التي تبدو وكانها تقول لنا في اسقاطها المعاصر بان الجزيرة قادمة مرة اخرى لتحرر اهل الشام من فسادهم وذلهم وحتى من مسيحيتهم. لان صورة التفوق الاخلاقي هنا لا ترتبط بالاسلام طالما ان الحلقة تدور في مرحلة ما قبله. مرحلة اللات والعزى ومناة. انها خدمة جيوبوليتيكية وليست حضارية.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون