ايا تكن الظروف التي احاطت بالانتخابات الفلسطينية، وايا تكن النتائج التي ستترتب على فوز محمود عباس، فان التجربة الفلسطينية قد اثبتت حتى الان بانها قادرة على ان تكون تجربة رائدة في المنطقة. منذ تشكل منظمة التحرير الفلسطينية، بتركيبتها التعددية، والى ان اضيفت الى تلك التعددية الحركات الاخرى كحماس والجهاد.لم يكتف الفلسطينيون بان يثبتوا انهم انما يقيمون تعدديتهم على اساس سياسي وايديولوجي بحت، لا يشبه الحالات الاتنية والمذهبية التي تفرخ في المنطقة، بل تجاوزوا ذلك الى اسقاط جميع المراهنات التي بشرت العدو بالحرب الاهلية وبالتفتت الداخلي. كما تجاوزوا الى اثبات انهم انما يختلفون على الكثير لكنهم عندما يصلون الى خطوط حمراء تعني المصير والقضايا الاساسية انما يقفون عند حد واحد. فابو عمار الموافق على اوسلو هو ذلك الذي لم يختلف كثيرا عن احمد ياسين عندما وصل الى كامب ديفيد. وفي النهاية وصل الاثنان الى الشهادة بشكل او باخر.
المهم في الامر ان تلك المواقف القيادية لم تتم الا بفعل الانصياع الى الشارع، وعدم القدرة على التجروء عليه. وهذا مايميز التجربة عن الواقع العربي المحيط.
هذه التجربة هي التي تميزت ايضا في سياق المعركة الانتخابية الرئاسية: مرشحون حقيقيون، واضح تماما ما يمثله كل منهم.ومعركة حقيقية في اليات عمل جميع اطرافها، حيث تتحدث الكتل والمنظمات والتنظيمات العسكرية منها والمدني بصفتها تلك وتحدد مواقفها على اساس تنظيمي سياسي.كما يتحدث كل من المرشحين خطابا واضحا في خطوطه السياسية، وان كان لا يخلو مما تفرضه ضرورات الخطاب الانتخابي، وذاك طبيعي ايضا. بحيث راينا ابو مازن يتقمص ابا عمار في حركاته وعباراته الشهيرة طمعا في اجتذاب رضى الناخب الذي لم يقطع حبل السرة مع زعيمه التاريخي.كما راينا مصطفى البرغوتي يراهن على خطاب الجبهة الشعبية، وجماهيرها، وذاكرة شهدائها، الخ…
لن نقول باية حال ان الانتخابات الفلسطينية هي الحلم، والنموذج المثالي، لكنها وبحق نموذجا حقيقيا نفتقر اليه في ساحات الكذب والديمقراطيات الوهمية التي تفضلها بكثير حالات الحكم الفردي الصريح.
فهل سيكون هؤلاء الفلسطينيون في دولتهم كما كانوا في ثورتهم طليعة تغيير في العالم العربي، تغيير يستطيع فيه الشارع ان يفرض بحق على القيادات خطابها ومسلكها؟