المأزق الممنوع

صحيفة السبيل، 20-01-2009

في اليوم الثالث عشر، يجد قادة الحرب الاسرائيليون انفسهم مختلفون، وتسرب وسائل اعلامهم وثائق عسكرية عن هذا الاختلاف. تفاصيل كثيرة تدور في هذه الوثيقة وفي سواها لكن الجوهر واحد: وقوف العسكر الاسرائيلي الهمجي امام مشكلة الاستحالة: اجل هم قادرون على القتل والتدمير وعدم احترام اي مبدا انساني او اخلاقي او قانوني، قادرون على التجويع والترويع، ولكن هل هذا ما يؤمن لهم حلمهم الاساسي: الامن والسلام؟ الجواب لا يحتاج الى تحليل، والقوة الفاحشة قد برهنت مرارا انها لا تقدر على تامين شيء من هذا.

يريدون وقف اطلاق النار ولكن شرط ان تلتزم مصر بضبط المعبر وعدم تسريب الاسلحة. يريدون الحرب ولكنهم يشعرون بان المهلة الزمنية الممنوحة لهم من قبل المنطق العسكري الذي يعرفونه ومن قبل قيادتهم السياسية هي قدرة محدودة. فاسرائيل هي ام الحروب السريعة لكنها عاجزة تماما عن الخوض في اية حرب طويلة تتحول الى استنزاف، ولم يكن سبب انسحابها من جنوب لبنان الا هذا. واسرائيل ام الحروب الاجرامية، لكن جمهورها هو اقل الشعوب قدرة على تحمل الخسائر البشرية والرعب الامني، وبنيتها الهشة لا تستطيع الصمود لا امام هذا ولا امام ذاك.

مشكلة المقاومة هنا هي كونها وحيدة، ومحاصرة، والا لكان الحل الامثل هو الصبر والتحمل، بل وارغام اسرائيل على الانتقال الى المرحلة الثالثة من المعركة، اي الى اجتياح المدن. لانها ستسقط هناك وسيكون الامر فعلا بداية انهيارها، وفي اقل تقدير ستجد نفسها امام خيارين: اما اعادة احتلال غزة واخذ اهلها على عاتقها كسلطة محتلة، مع ما يضاف الى ذلك من ضرب نهائي لصورتها في الخارج، وكل ذلك لا تريده ولا قبل لها به. واما ان تقتحم ثم تنسحب وعندها ستكون النتيجة الوحيدة لها كما من الخسائر البشرية قد لاتتحمله.

هنا تبرز مشكلة العرب الحقيقية والمقتل التاريخي لقضيتنا ككل، اذ، وكما في كل مرة، ما ان يصل الصهاينة الى المازق الحقيقي، وما ان يتجاوزوا المهلة القصيرة التي تسمح بها ظروفهم، الا ونقبل متلهفين بوقف لاطلاق النار، يريح  في ظاهره، المستهدفين من شعبنا، ولكنه لا يحل في الحقيقة الا العدو ويخرجه من مازقه.

طبعا كان بامكان غزة ان تستمر رغم كل الجراح، لو اراد لها العرب ان تستمر، وكان بامكان القطاع الصغير ان يهزم الدولة العبرية المتجبرة كما هزمتها المقاومة اللبنانية، بل ان الهزيمة هنا تتجاوز بدلالاتها كثيرا الهزيمة في لبنان، فهنا جوهر رهان البقاء. وكان من الممكن ان يكون ذلك بداية انعطافة كبرى على مستوى الراي العام الدولي كله، انعطافة تضع القضية الفلسطينية في موقع لم تحصله منذ نشوئها. لكن اضطرار حركة حماس ومن معها للقبول بوقف اطلاق النار، وما يمثله من انقاذ لاسرائيل وجيشها، ان هو الا اضطرار فرضه العرب لا الاميركيون ولا الغرب. ولم تكن غزة لتتوقف لو كان لدى الناس ما ياكلونه ولدى الجرحى ما يعالجون به… والاهم لدى المقاتلين ما يمد معركتهم الطويلة، لان المسالة ليست قضية انسانية لناس اجتاحهم طوفان، بل هي قضية وطنية ارادية بامتياز، قضية ارض واحتلال وتحرير، ومن الظلم الحديث عنها بغير هذا.

فاية جريمة تاريخية هي تلك التي علقت باعناق كل مسؤول منع السلاح ( قبل الدواء والغذاء ) عن مقاومة الاحتلال! اية جريمة هي تلك التي تتمثل في تكبيل ايدي المناضلين الذين يريدون الالتحاق باخوانهم هناك! اية جريمة هي تلك التي ترتكب بحق الوجود العربي كله وليس فقط فلسطين!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون