هل سيترجم الفرنسيون استياءهم من تفاصيل زيارة رئيسهم الى اسرائيل؟ ام انهم سيفعلون مثل الاميركيين: يشكون وينتقدون، وعند صناديق الاقتراع ينسون و يجددون له كما فعل الاميركيون مع جورج بوش ؟
هذا علما بان الفرنسيين، لا يستاؤون من زيارة رئيس او مسؤول للكيان الصهيوني، فذاك ما فعله معظم رؤسائهم ومسؤوليهم، لكنهم يشتكون من الاذى الذي لحق بصورة بلادهم عبر تصرفات نيكولا ساركوزي. فالرجل لم يتحدث امام الكنيست كفرنسي بقدر ما تحدث كيهودي موله باسرائيل، بحيث جعله الحماس العاطفي يلغي ما كان واردا في النص المكتوب حول وقف الاستيطان فيقول الوقف دون ان يقول فورا وكليا. ومن ثم يتحدث بشكل طوباوي ديني غير مالوف في الخطاب الفرنسي ( ولم يعد مالوفا في الخطاب الاسرائيلي نفسه ) عن الوعد الالهي الذي تناقلته الاجيال. وعن دولة الانسانية جمعاء، وغير ذلك من المدائح بلغة لم تعد مالوفة الا لدى الحاخامات. وياخذه هذا الفرح الطفولي باكتشاف الجذور اليهودية، وزيارة الارض الموعودة ودولة الاهل، الى مخاطبة شيمون بيريز بضمير المفرد ( انت ) بدلا من ( انتم ) وهذا ما لا يجوز في اداب الحديث الفرنسي حتى بين الجيران او المعارف ( وقد لفت نظري ان طبيبي توقف عند استيائه من هذه الملاحظة، اكثر من الملاحظات السياسية )، مما قد يبدو سطحيا وشكليا بالنسبة لنا نحن العرب ولكنه بالنسبة للفرنسيين تشويها لصورة رجل الدولة الفرنسي، وامركة لاسلوب التعاطي طالما تفاخر اهل هذه البلاد بانهم ارقى منه، خاصة وانهم يعتبرون تقاليدهم الديبلوماسية من اغلى ما يميزهم، كما يعتبرون الصورة والفكرة التي بنوها لجمهوريتهم بذات الغلاوة التي تحظى بها ارض بلادهم. ومن هنا كتب معظم رجال الدولة الفرنسيين الكبار حول عبارة محددة: فكرة عن الجمهورية ( وعلى سبيل المثال: شارل ديغول، وجان بيير شفينمان الذي اعطى هذه العبارة عنوانا لكتابه حول الحرب على العراق )
لكن هذا الاستياء الذي تسمعه في الشارع والجلسات الفرنسية قد لا يترجم سياسيا، ولذلك لاسباب كثيرة: اولها ان القوى التي دعمت هذا الرجل للوصول الى الحكم ليست ابدا هي تلك التي تنتقد خطابه وتصرفاته. هو المتحدر من اب مهاجر هنغاري، وام هي بدورها ابنة مهاجر يوناني يهودي، والمتزوج من امراة يهودية هنغارية الاب يونانية الام، وبحيث ان ابنه قد اعلن مؤخرا خطبته على ابنة راسمالي يهودي كبير – صاحب شركات دارتي – ومع الخطبة نيته في العودة الى اعتناق اليهودية وممارستها. القوى التي دعمته هي اربع، تتماهى في نهاية الامر : لوبي الامركة، اللوبي اليهودي، لوبي الاعلام، واللوبي المالي.
وثانيها – وللاسف الشديد – ان الدول العربية نفسها، تعمل منذ وصوله الى الحكم الى ضخ الدم الحي في شرايين ولايته المصابة بفقر الدم. فكل اللوبيهات المذكورة لم تنجح في حل المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها فرنسا – والتي تم تازيمها وتعميقها لاضعاف التيار المرتبط بالديغولية القديمة والجديدة، ولابعاد انصار الاستقلالية الاوروبية عن دوائر الحكم في فرنسا. ولو جمعنا المليارات التي قدمتها ليبيا ودول الخليج العربي والان المغرب العربي لفرنسا منذ وصول ساركوزي الى الرئاسة لوجدناها تفوق كل ما قدمته هذه الدول منذ عام 1967 ( اي تاريخ التحول الايجابي في سياسة فرنسا العربية ) وحتى نهاية حكم جاك شيراك.
فهل تدفق هذا الكرم العربي الا بايعاز او ضغط اميركي اسرائيلي؟ والا يحق لساركوزي بعدها ان يستذكر يهوديته ويتغزل باسرائيل، وان يزحف الى حضن الاطلسي؟