كنيسة تخوض معركة فلسطين في اميركا!

صحيفة السبيل، 01-03-2008

في الذكرى الاولى لاحداث 11 سبتمبر، والتي سبقت الحرب على العراق بقليل تلقيت دعوة من الولايات المتحدة الاميركية مع الصديقة سلام محادين للقيام بجولة محاضرات في البلاد، في اطار نشر حوار الحضارات ومعارضة الحرب التي كانت تدق طبولها. كانت اول معرفة لنا بالكنيسة المشيخية الاميركية، وهي احدى الكنائس البروتستانتية التي  يبلغ عدد رعاياها خمسة ملايين شخص في الولايات المتحدة. هناك فوجئنا بان راس هذه الكنيسة هو قسيس فلسطيني من قلقيلة يدعى فهد ابو عقيل، وان احد مساعديه الاوائل هو قس مصري اسمه فيكتور مكاري. والمفاجاة الثانية هي ان رجال الدين في هذه الكنيسة ياتون بالانتخاب لا بالتعيين ولا بالتدرج. اذن فقد انتخبت القاعدة هذين الرجلين على راسها. القضية تجد تفسيرها اكثر عندما نقوم بجولتنا ونلمس مدى حماس كل قسيس محلي في كل مدينة زرناها للقضية الفلسطينية ( اكثرهم زار المنطقة  في اطار تقديم مساعدات للمواطنين في فلسطين او في غيرها، واذكر على الاخص سينتيا والتون، القسيسة البروفسورة في جامعة سيراكيوس ).  كما لمسنا مدى تعاونهم مع المنظمات والمجالس الاسلامية القائمة في كل مدينة. بعد عودتنا رحنا ننتبه الى اخبار هذه الكنيسة، من مقاطعة بضائع المستوطنات الاسرائيلية، الى معارضة الحرب على العراق، الى سحب اثريائها اسهمهم من الشركات التي تمول اسرائيل وخاصة مستوطناتها واذكر منها في حينه: موتوروللا وكاتربلر، وفق ما ورد في بيانات الكنيسة

وقبل ايام اقرا في احدى الصحف ان الكنيسة المشيخية عادت الى المواجهة مع كاتربلر  بسبب تزويد “إسرائيل” بالبلدوزرات التي تستخدم لهدم بيوت الفلسطينيين وفي بناء جدار الفصل، وأيضاً بناء الطرق المخصصة للمستوطنين، وذلك حسب سكرتير عام الكنيسة المشيخية جيمس وينكللر الذي أضاف “نحن شعرنا بأنه بعد 40 عاماً من التصريحات والقرارات بأن كنيستنا وكنائس أخرى ومنظمات عديدة كانت طالبت “إسرائيل” بالانسحاب من الأراضي المحتلة، بأن هناك شيئاً أكبر مطلوباً فعله، ولذا كان الضغط مطلوباً الآن”، وسوف تناقش الكنيسة قرار سحب ارصدتها من راسمال الشركة  خلال مؤتمرها العام الذي سينعقد في ابريل/ نيسان المقبل، وهو المؤتمر الذي ينعقد كل أربعة أعوام للجمعية العمومية التي تضم أكثر من 8 ملايين عضو فاعل، وذلك في ولاية تكساس حيث سيطرح تقرير مهم أنجز بإشراف واقتراح الجناح النسائي في الهيئة العليا بالكنيسة.

الجناح النسائي يذكرني بان اغلب المسؤولين الذين نظموا رحلتنا عبر اكثر من ولاية اميركية كانوا من النساء، لا لاننا امراتين، بل لان اكثر القسيسين المنتخبين كمسؤولين عن الكنائس المحلية كانوا  من النساء وتحديدا من استاذات الجامعات  ( وهذا ما شكل مفاجاة لنا بالطبع، لاننا كنائسنا التقليدية لاتعطي المراة  الحق في تولي رتبة الكهنوت ) كما يذكرني بان جميع هؤلاء القسيسات، دون استثناء كن يعبرن لنا عن دعمهن للقضايا العربية، حتى ان احداهن، وهي التي استضافتنا في بيتها في الاباما قالت لنا: عندما افكر بما تفعله بلادي بكم اخجل وابكي!! كما ان اخرى اخبرتنا بانها تحرص على ارسال اولادها الى فلسطين ليروا باعينهم ما يفعله الاحتلال هناك!

ولعله من قبيل المصادفة المفارقة ان بلدوزر كاتربلر هي التي قتلت امراة من هؤلاء هي  الناشطة الأمريكية راشيل كوري التي كانت تتظاهر ضد إجراءات “إسرائيل” التعسفية في هدم منازل الفلسطينيين في الضفة.

وعندما يقال ان التقرير المعد يتضمن تحليلاً ووقائع تقع في 224 صفحة حول الصراع “الإسرائيلي” – الفلسطيني، وانه سيناقش في مؤتمر عام، فاننا امام حدث لا يقل اهمية عن دوربان خاصة وانه يتم داخل المجتمع الاميركي.

لذا كان من الطبيعي الا تقف المنظمات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة والعالم، متفرجة امام حدث كهذا، فقد تحركت   كبريات هذه المنظمات ومنها المجلس اليهودي للعلاقات العامة الذي يضم 25 منظمة ومؤسسة يهودية، وأيضاً “منظمة مكافحة التشهير” المعروفة بملاحقة من يتم اتهامهم بمعاداة السامية و”منظمة بناتي بيريث” والأخيرة وصفته بأنه “إهانة ل”إسرائيل” ولليهود”، ورد المجلس اليهودي للعلاقات العامة الذي يحدد سياسات الدفاع عن مصالح “إسرائيل” واليهود ببيان من 25 صفحة وصفوا فيه تقرير الكنيسة المشيخية بأنه “بارانويا وهستيري ومتشنج”

 

وبينما يتجه الموقف العام داخل الكنيسة المشيخية نحو سحب الاستثمارات من شركة “كتربللر” للبلدوزرات أشادت منظمات وكنائس أمريكية سبق أن أعلنت موقفاً مماثلاً ضد هذه الشركة بقرار أكبر كنيسة بروتستانتية في الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من الرد الذي أعلنته الشركة حيث زعمت انها “تتبع كافة القوانين الدولية والأمريكية في تعاملاتها مع “إسرائيل”.

 

انها معركة حقيقية تدور حول قضيتنا المركزية، وعلى ساحة هي الاهم في العالم، ساحة لم نكن نامل يوما في ان يتحرك عليها احد للدفاع عنا.

وما الذي  سيفعله العرب حكومات ومنظمات مقاومة ومنظمات مجتمع مدني لدعم المشيخيين في مواجهة هذه الجمعيات ومتابعة تحركهم  خاصة ان الجميع يتوقع أن تتصاعد الأزمة في الأروقة الدينية والسياسية الأمريكية بسبب حالة الهياج التي أصابت لوبي “إسرائيل” وتيار اليمين المسيحي الصهيوني في عام الانتخابات الرئاسية والتشريعية؟   وبالاخص لان لهذا التحرك ميزة كبرى هي ان من يقوم به جهة غير اسلامية، لا يمكن الالتفاف عليها بالاتهام بالارهاب ولا بالتعصب الديني، جهة قادرة على مواجهة اليمين المسيحي المتهود الذي يشكل اكبر دعامة للصهيونية ؟

لنقم على الاقل بتوجيه بيانات تاييد وشكر. او بتشكيل قنوات تنسيق مع هؤلاء الذين يفعلون ما لا يفعله غالبية العرب، رغم تربع العديد من الشركات الداعمة لاسرائيل في شوارعنا ومؤسساتنا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون