بيان المنظمة الاميركية ” كومباس دايركت نيوز ” حول الحريات الدينية في الاردن والرد الذي اصدرته لجنة الكنائس المسيحية ذكراني بطرفة بسيطة وهي ان مبشرا اجنبيا جاء يوما الى قريتنا في لبنان، وصدف ان مر ببيت احد اعمامي وهو رجل دين، مدني اللباس، وما ان راه حتى بادره: انا جئت ابشركم بسوخ مسيخ. فجن جنون الرجل الكهل وحمل عصاه لاحقا بالمبشر، صارخا بوجهه: يا ابن الكلب، جئت تبشرني بيسوع مسيخ، الا تعرف انه كان يلعب الكلة مع جدي!! والله لو عدت الى هنا لكسرت رجليك. غير ان فطرة هذا القروي رحمه الله، لم تنتصر لدى الجميع، خاصة منذ فترة طويلة تدفق فيها هؤلاء على المنطقة وخاصة هنا في الاردن، البلد الذي يحمل اسم النهر الذي تعمد المسيح بمائه. حيث استطاع هؤلاء ان يشكلوا فرقا، لا تقدم الا مفهوم بدع غريبة عن الدين المسيحي، لكنها تقدم بالمقابل اغراءات مادية ومصلحية معتبرة لمن يتبعها من المواطنين، كما تقدم اسلوبا سيكولوجيا في غسل الدماغ بما يحول هؤلاء الاتباع بعد حين الى اشبه الخاضع للتنويم المغناطيسي. لقد عرفتهم عن قرب، وكتبت عنهم مرارا ( وفي احدى المرات رد علي بقسوة اب من الذين تنبهوا الان الى حقيقة هذا الخطر وشارك في التوقيع على بيان الكنائس ) على اية حال صح النوم! وثمة مثال فرنسي يقول: ” افضل ان تصل متاخرا من ان لا تصل ابدا “. علما باننا متاخرون جدا في التنبه الى هذه الظاهرة المؤامرة: لانها اشبه بالسوس الذي ينخر ببطء الى ان نجد جذع الشجرة وقد تهاوى.
كانت اول مرة اصطدمت فيها صدفة بنشاط هؤلاء في بداية الثمانينات، حين طلبت مني احدى الزميلات المساعدة في تحصيل تاشيرات الى العراق والسماح بتمرير شحنة من المطبوعات، واستطعت ان اتوصل الى ان الهدف الاساسي لها النشاط هو شد مسيحيي العراق الى هذه الفرقة، ومن ثم اقناعهم بالهجرة. يومها اذكر انني نبهت السفارة العراقية في عمان الى المسالة، واذكر ايضا ان السفير قد استخف بتخوفاتي!! وبعد اقل من عشر سنوات كان النشاط المنظم الحثيث لتهجير مسيحيي العراق قد سار على قدم وساق ( وقد شهدت ايضا تفاصيله ) ومرة ثانية نبهت للامر دون جدوى، خاصة وان العراق كان تحت الحصار ولا يتجرا على المساس باي امر يمكن ان يفسر بانه مساس بالحريات الدينية.
اما في الاردن، فقد كان هؤلاء يرتعون، يجتلبون الطلاب والعائلات باغراءات المنح والوظائف والتمويل، وينظمون المخيمات الصيفية، ويستقدمون المبشرين الاميركيين والاوروبيين ( الذين لا يعرف احد ما اذا كانوا مسيحيين متصهينين ام يهودا ام شيئا اخر ) وينظمون اجواءا نفسية مبرمجة لغسل الدماغ، وادخال المشارك في حالة من التبعية المخدرة، كما يستغلون حالة نفسية انسانية طبيعية هي ان اي انسان يشعر براحة الانتماء الى جماعة، وفي اطار ما يسمى ب ” الاخوة “، والحياة الاجتماعية المليئة بالانشطة والبهجة. فيما يردم هوة حقيقية موجودة لدى الناس ولدى الشباب بشكل خاص، وهي هوة الفراغ الاجتماعي الذي لا يجد فيه هؤلاء ما يملؤون به اوقات فراغهم وعطلهم. اضافة الى نقطتين اساسيتيين تساهمان في الدفع نحو هذه الهوة:
- الكلام المكرر الغبي عن الاقليات، وتركيز فكرة الاقلية التي لا تنتج الا الاحساس بالضعف وعدم الامان والحاجة الى التجمع على اي شيء.
- نمو التطرف الاصولي الاسلامي التكفيري والجاهل، ولا اقول ابدا التدين الاسلامي، فالمتدين اقرب الى الناس والانسانية، والمتدين المسلم يعرف موقع النصارى في القران الكريم وفي السنة النبوية وفي تاريخ الاسلام. كما ان المدرك للتاريخ مسلما كان ام مسيحيا، يعرف ان مسيحيي هذه البلاد لم يستوردوا يوما على ظهر سفينة، لا ولم يهاجروا الينا عبر صحراء وانما هم اهل البلاد الاصليين الذين منهم من اسلم ومنهم من بقي على مسيحييته طالما ان الاسلام لم يكره كتابيا. وهذا ما يفسر توزع العائلة الواحدة والعشيرة الواحدة على الدينين معا. كما يعرف ان اول حليف للرسول خارج الجزيرة كان امير غسان في بصرى ( وان الرجل الذي كان ينقل الرسائل بين الرجلين كان اول شهيد للاسلام خارج الجزيرة، عندما اعتقله البيزنطيون في مؤتة )، فيما يوضح احتضان العروبة للمسيحية وللاسلام معا.
من هنا فان الجهل المطبق باساس العلاقة الوطنية من قبل البعض، هو ما فتح كوة في السور المنيع الذي يحمي الوحدة الوطنية والانتماء الوطني، وهو ما انتبه اليه الغرب منذ نهاية المرحلة العثمانية فراح يستغله بطريقة او باخرى. ولا يكفي في هذا السياق ان نشتم لان منطقتنا هي منطقة مستهدفة لاكثر من سبب معروف، وليس الدين ابدا اهمها على الاطلاق. لكنه على العكس من ذلك يشكل وسيلة للتدخل ولاثارة المشاكل التي تسهل تحقيق هذه الاهداف. ولحسن الحظ فقد تنبه رؤساء الكنائس ولو متاخرين الى هذه المسالة. وعلينا مسيحيين ومسلمين ان نشد على يدهم وندعمهم. خاصة وان المسار الصحيح لمحاربة هذه الافة هو ان ياتي رفضها من الجانب المسيحي، لا للاسباب الداخلية فقط، وانما ايضا كي لا تتمكن الجهات الغربية من استغلال مسالة حقوق الانسان وحقوق الاديان وحقوق الطوائف، لتفرض علينا بدعها وطابورها الخامس وجواسيسها. ولعلنا نذكر ان مادلين اولبرايت قد تدخلت شخصيا لدى فرنسا عندما حاولت الحكومة الفرنسية ان تمنع بعض البدع الدينية الغريبة والمدمرة…. لذا جاء بيان الكنائس المسيحية في الاردن الذي رد على بيان المنظمة الاميركية، في موقعه تماما…. ولكن علينا ان نذكر بالمقابل، ان كنيسة غربية، بل واميركية، هي الكنيسة المشيخية قد اثارت اكثر من مرة ضجة في اميركا بسبب مقاطعتها: للبضائع الاسرائيلية، ومن ثم للشركات المتعاملة مع المستوطنات، ومؤخرا اقامت الدنيا ولم تقعدها حول سحب رساميلها من كاتربلر لان هذه الشركة تعطي اسرائيل جرافات لبناء المستوطنات وجرف منازل الفلسطينيين، كما انها دعت الى مؤتمر حول تقرير طويل اعدته حول التجاوزات الاسرائيلية في فلسطين ( وقد كتبت مقالا مطولا حول الموضوع قبل بضعة ايام ).
المسالة اذن معقدة، ولا يجب ابدا ان نثبت ان: ” كله عند العرب صابون ” كما انه لا يجوز لنا ان نترك كل شيء يزلق على صابون الجهل والتعصب !!!