سوريا رغم الإنهاك لم تقع، لم يتفكّك جيشها الأسطوري، لم تتفتّت دبلوماسيتها الصلبة (وهي عادة أسهل الأجهزة على التفتّت)، لم تنهار مؤسساتها. أنهكت لكنها لم تتنازل ووجدت من الحلفاء من يقاتلون إلى جانبها لأنهم يعرفون إنها معركتهم. مقاومون يخوضون معركة المقاومة، أياً تكن مسمّياتهم، روسيا تخوض معركة عودتها إلى الساحة الدولية كقوة عظمى ، فيما يتضمن معركة وصولها إلى المياه الدافئة، والحفاظ على مجالها الجيوستراتيجي، وضمان سلطة غازها على الساحة الأوروبية، وإبعاد الإرهاب الإسلامي عن عاصمتها.
لاعب بوكر يكشف ببساطة الورقة التي قلبها على الطاولة منذ ما قبل إشعال النار في سوريا. غالنت، اسم جديد يُضاف إلى سلسلة الخطط الصهيونية التي تُطرح لبلادنا. إنما هي إعادة إنتاج تكتيكية للأهداف الاستراتيجية الثابتة، بإخراج جديد يتوافق مع طبيعة المرحلة. الأهداف سورية ولأجلها تلوح الخطة بالإغراءات لواشنطن ولروسيا وبالضغط على طهران ، كي تسحب دعمها لسوريا في رفضها تحقيق هذه الأهداف، أو كي تمضي حد الضغط عليها للقبول . أهداف تتقدّمها مرتفعات الجولان والسلام مع حكم سوري جديد ، ثم سلام اقتصادي يعني سرقة مقدّرات البلاد بالكامل . فيما يترجم عملية التهويد الاقتصادي التي كان ينظّر لها شيمون بيريز، واستئصال المقاومة التي نظّر لها نتنياهو بعنوان: استئصال الإرهاب.
“استئصال الإرهاب” هو عنوان الكتاب الاستراتيجي الذي أصدره بنيامين نتنياهو في عام 1995، كبرنامج انتخابي لحملته، (في الترجمة الفرنسية أضيف إلى العنوان عبارة : أمن وسلام) . ثم عاد إلى طبعة ثانية منه بعد أحداث 11 أيلول مضيفاً إليه الخطاب الذي ألقاه في الكونغرس الأميركي إثر أحداث منهاتن. خطاب إن هو إلا عبارة عن خطة عسكرية – سياسية – إعلامية، للقضاء على الدول التي سبق له وأن تناولها في الكتاب. أهم ما في هذا الكتاب أنه ترك يومها أرهاب الجماعات المسلّحة، الذي كان مصطلح الخطاب السائد يُسمّها بالإرهاب ليركّز على نقطتين : الأولى إن الإرهاب هو إرهاب الدول وإن الدول المقصودة بذلك هي تحديداً : العراق، ليبيا، سوريا ، اليمن السودان وإيران، التي يفرد لكل منها فصلاً خاصاً. ويتبجّح بأنه عمل حثيثاً بقيادة موشيه أرينز، على إقناع الأميركيين بذلك. وبأن عمل المجتمع الدولي يجب أن ينصبّ على القضاء على قوة هذه الدول واحدة واحدة وأن يكتمل ذلك عام 2000. على أن يتم بعد الانتهاء منها إلغاء أوسلو وحشر الفلسطينيين في ما أسماه ” جيب غزّة ” .
ما يهمنا من ذلك، أن خطة إسرائيل قد نجحت في تراتبيّتها وإن كانت أجندتها الزمنية قد تعثرت وأصيبت بإخفاقات. وبعودة بسيطة إلى الأسلوب ، نجد أن كل مرحلة كانت تبدأ بقائمة مطالب تُقدّم إلى الطرف المعني، فإن رفض كانت الضربة. هكذا طلب من سوريا التخلّي عن المقاومة والموافقة على سلام مذل مع إسرائيل والتطبيع الكامل معها. وهكذا ترفع المطالب إلى سوريا وإيران اليوم.
كان هناك خياران الضربة الخارجية وحرب التدمير الذاتي. الثانية مضمونة وقليلة التكاليف على العدو، والشعوب العربية مشحونة بالكثير من عناصر التفجير، والالتفاف على الأحلام والقهر سهل في واقع متخلّف، إذن فالعودة إلى لبننة الصراعات على طريقة التدمير الذاتي، هي الأفضل. وعليه أعلن أوباما في بداية ولايته أنه لن يرسل جندياً إلى الخارج لكنه سيعتمد على ( السايبروور) .
اليوم دخلت كل الدول التي عدّدها نتنياهو دائرة الدمار، ارتاح وارتاحت دول الاعتدال. ووجدت المحميات أن الحماية الإسرائيلية قد تكون فرضاً إن لم تكن خياراً.
لكن سوريا رغم الإنهاك لم تقع، لم يتفكّك جيشها الأسطوري، لم تتفتّت دبلوماسيتها الصلبة (وهي عادة أسهل الأجهزة على التفتّت)، لم تنهار مؤسساتها. أنهكت لكنها لم تتنازل ووجدت من الحلفاء من يقاتلون إلى جانبها لأنهم يعرفون إنها معركتهم. مقاومون يخوضون معركة المقاومة، أياً تكن مسمّياتهم، روسيا تخوض معركة عودتها إلى الساحة الدولية كقوة عظمى ، فيما يتضمن معركة وصولها إلى المياه الدافئة، والحفاظ على مجالها الجيوستراتيجي، وضمان سلطة غازها على الساحة الأوروبية، وإبعاد الإرهاب الإسلامي عن عاصمتها. الصين تخوض معركتها الاقتصادية الجيوسياسية وإن بنسبة أقل، وإيران تخوض معركة مصالح كما الآخرين بما فيها معركة التزام بمحور المقاومة تعهّدت به منذ قيام ثورتها. من دون أن نغفل إنه لم يكن بإمكان ثورة أن تتحالف مع محور رجعية ولا بإمكان دولة أن تغفل بعدها الجغرافي. وأبسط الأمثلة تلك المعادلة التي قامت في لبنان قبل سوريا، فلولا دعم إيران لما حرّرت المقاومة اللبنانية أرضها ولولا ذراع المقاومة اللبنانية على الحدود الشمالية لإسرائيل لما تورّعت هذه الأخيرة عن قصف إيران كما فعلت مع أوزيراك. كل هذا يفهمه الإسرائيلي بعيداً عن البعد المذهبي الذي يترك لنا وحدنا أن نزأر حوله.
اليوم دخلت كل الدول التي عدّدها نتنياهو دائرة الدمار، ارتاح وارتاحت دول الاعتدال. ووجدت المحميات أن الحماية الإسرائيلية قد تكون فرضاً إن لم تكن خياراً.
لكن سوريا رغم الإنهاك لم تقع، لم يتفكّك جيشها الأسطوري، لم تتفتّت دبلوماسيتها الصلبة (وهي عادة أسهل الأجهزة على التفتّت)، لم تنهار مؤسساتها. أنهكت لكنها لم تتنازل ووجدت من الحلفاء من يقاتلون إلى جانبها لأنهم يعرفون إنها معركتهم. مقاومون يخوضون معركة المقاومة، أياً تكن مسمّياتهم، روسيا تخوض معركة عودتها إلى الساحة الدولية كقوة عظمى ، فيما يتضمن معركة وصولها إلى المياه الدافئة، والحفاظ على مجالها الجيوستراتيجي، وضمان سلطة غازها على الساحة الأوروبية، وإبعاد الإرهاب الإسلامي عن عاصمتها. الصين تخوض معركتها الاقتصادية الجيوسياسية وإن بنسبة أقل، وإيران تخوض معركة مصالح كما الآخرين بما فيها معركة التزام بمحور المقاومة تعهّدت به منذ قيام ثورتها. من دون أن نغفل إنه لم يكن بإمكان ثورة أن تتحالف مع محور رجعية ولا بإمكان دولة أن تغفل بعدها الجغرافي. وأبسط الأمثلة تلك المعادلة التي قامت في لبنان قبل سوريا، فلولا دعم إيران لما حرّرت المقاومة اللبنانية أرضها ولولا ذراع المقاومة اللبنانية على الحدود الشمالية لإسرائيل لما تورّعت هذه الأخيرة عن قصف إيران كما فعلت مع أوزيراك. كل هذا يفهمه الإسرائيلي بعيداً عن البعد المذهبي الذي يترك لنا وحدنا أن نزأر حوله.
الآن وقد بدا أن الأزمة السورية بلغت موسم القطاف، فإن عنوان الجهد الذي سيبذله المحور الصهيوني – الغربي ، سيكون السعي إلى تفكيك التحالف القائم ، الخط الممتد من موسكو إلى لبنان. باتباع أسلوب تعاط مختلف مع كل قوة فيه. وإذا كانت إيران تشكل هدفاً صلباً بالنسبة للغرب لأسبابه الميركانتيلية، فإنها كذلك لإسرائيل طالما أنها تقدّم دعماً للمستهدف الأساسي، سوريا والمقاومة. ولذا لا يجوز للخطاب الإعلامي أن ينجرّ إلى سذاجة تصوير المعركة وكأنها بين إيران وإسرائيل فحسب من دون التركيز على الأسباب، أو أن يسوّق عبارة مهينة من مثل ” خوف إسرائيل من اقتراب إيران من حدود الجولان” … هذا خطاب يشكّل ثلاثة مثالب : الأول والأخطر هو تمويه الهدف الحقيقي لكل الهجمة ، الثاني هو القبول بتحقير الذات وكأن الجيش السوري والمقاومة وانتصاراتهما التاريخية من دون وزن ولا قدرة في عين العدو، والثالث هو تقديم الصراع وكأنه إيراني – إسرائيلي، في ما يضر بكلا الطرفين السوري والإيراني ويعقّد خارطة ومنطق الخطاب والاصطفافات والمفاوضات.