بعيدا عن الدلالات السياسية لزيارة الرئيس التركي الى ارمينيا، ولو الى ساحة كرة قدم، او عن زيارة كونداليزا رايس الى ليبيا وتناولها الافطار على مائدة القذافي، نتساءل هل ما بين فتح وحماس في فلسطين اشد صعوبة مما بين هؤلاء الاعداء الاربعة؟ هل احداث غزة ( او انقلاب غزة ) كما يصر البعض على تسميتها، اشد من مجازر الارمن او تامر هؤلاء على تركيا، ومن غارة الاميركيين على ليبيا وحرب العقيد الماضية ضدهم؟
سيقال ان هذا السؤال لا يمكن ان يطرح بعيدا عن التداعيات السياسية لازمة جورجيا، هذا صحيح. ولكن ما حصل في جورجيا لم يكن منفصلا عن السياق الدولي كله.عن احتلال العراق وافغانستان، وفشل هذا الاحتلال في كليهما، عن تنامي حلف تشنغهاي وتنامي فكرة بوتين لانشاء منظمة للدول المصدرة للغاز مقابل منظمة الدول المصدرة للنفط، هذه الفكرة التي اعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال زيارته الاخيرة الى طهران، انها ستعلن مع مطلع العام القادم. واخيرا، عن حرب تموز في لبنان، وفشل اسرائيل في اول حرب تخوضها لصالح الولايات المتحدة، مما جعلها فشلا للثنتين معا، ومما جعل المحللين يعتبرون ان بروفة لبنان قد تكررت في جورجيا او استمرت في جورجيا، وسقط العرض الاميركي على المسرح، دون ان يكون من الاهمية اذا ما كان سبب الفشل خطا الخطة الاخراجية او خطا المؤدين.
ولكن اذا ما كانت التحولات الدولية كلها تتم ضمن دائرة واحدة، فهل ان فلسطين والعرب خارجها؟ هل يحزن ” المعتدلون ” على تراجع هيمنة الاحادية الاميركية اكثر مما يفعل الاميركيون انفسهم؟ وهل يستفيد ” المتشددون ” من ذلك لتصفية حسابات ام لتغليب خيارات الوحدة الوطنية وهم الاقوى الان؟ خاصة بعد ان خرجت سوريا مستفيدة كبرى من كل هذه التحولات؟
في لبنان يركض الحريري الى طرابلس وشعاره المصالحة، وسواء كان صادقا فيما ذهب اليه ام خائفا من نصيحة الرئيس السوري التي اخذتها قوى 14 اذار على سبيل التهديد، فان صاحب المال الذي غذى قوى العنف في عاصمة الشمال، حتى اذا رفضت تنفيذ اوامره بالفتنة ضد حزب الله قطع عنها اللقمة وتسبب في معركة البارد المريرة، ومن ثم عاد يغذي قوى مشابهة اخرى: لبنانية هذه المرة، وفي المدينة لا في المخيم، ربما كي لا يسمع مرة ثانية ما قاله له قادة فتح الاسلام : طالما ان حزب الله يحارب اسرائيل فلن نحاربه. واخيرا تدخل هو عبد العزيز الخوجة شخصيا لاحباط ورقة التفاهم بين الشيخ حسن الشهال وحزب الله – صاحب المال هذا يحمل حقيبته اليوم ويذهب ثلاثة ايام الى طرابلس، ليتظاهر بالعمل على التهدئة وليعد العدة للانتخابات القادمة، وفي اذنه تهديد الاسد الصادر من قمة ضمت الدولة التي كان رئيسها السابق الاكثر تشددا ضد سوريا والاكثر تبنيا مهووسا لال الحريري و14 اذار، ومعه امير الدولة التي رعت اتفاق لبنان مسجلة نقطة ضد شقيقته اللدودة في الجزيرة العربية . وفي خياله ايضا صورة السيدة السمراء التي قادت حرب تموز وتركض الان الى مائدة القذافي بعد ان قلب الروس الطاولة في وجهها.
صور كم يكون من المنطق ان يستعرضها القادة الفلسطينيون ليرسموا لنفسهم مسارا جديدا.