«قوات سوريا الديمقراطية» ( قسد) تتقدم بدعم أمريكي باتجاه منبج سيف الدولة والمتنبي، وقوات الجيش السوري وحلفائه من الدفاع الوطني تتقدم بدعم روسي باتجاه الطبقة ومطارها العسكري. المدينة – الهدف، الأولى تطرح سؤالا خطراً حول اتصال شطري الكانتون الكردي في الشمال السوري، والمدينة الهدف، الثانية تطرح سؤالاً خطراً حول الوصول إلى مدينة الرقة التي جعلها تنظيم «داعش» عاصمة له، خاصة أن الطبقة تضم أكبر مطار عسكري في سوريا. السؤال الأول يحيل إلى أمرين خطرين: وحدة الأراضي السورية وشكل النظام الذي سيقوم عليها لاحقاً من جهة، ووضع تركيا بعد امتداد كانتون كردي على طول حدودها، من جهة ثانية.
الميدان أبرز أسئلة أخرى: بعد عبور «قوات سوريا الديمقراطية» الشاطئ الشرقي للفرات إلى شاطئه الغربي كان من المعلن أن تتقدم، باتجاه الرقة جنوباً، لكنها غيّرت مسارها لتتجه نحو منبج غرباً. الخبراء يتحدثون عن تغيير في الخطة لأسباب ديموغرافية، بمعنى أنها فضّلت التقدم في المناطق ذات الأغلبية الكردية، في حين تقول أنباء أخرى إن طليعة المقاتلين المقتحمين هم من العرب – ويبقى الأهم من الذي يمتلك الخطة والقرار؟ ما تبقى للإعلام وربما لخداع بعض السكان أيضاً. أو حتى لتمكين أردوغان الذي وقع تحت سلطة الأمر الواقع من أن يصرح بأن أغلبية المقاتلين من العرب وهو يرى – دون شك- العلم الكردي يرفرف مقابل نافذته. ويقطع طرق الإمداد بينه وبين «داعش»، بل بينه وبين الفصائل الأخرى التابعة له. دون أن ننسى أن هذا الركون جاء بعد يومين من تصويت «البوندستاغ» (البرلمان الألماني) على إدانة مجازر الأرمن واعتبارها جريمة إبادة جماعية. الخطورة هنا تأتي في كون ألمانيا التي تدين، إنما تعترف أيضاً، لأنها حليف تركيا في تلك الحرب العالمية، وكأن ثمة ضميراً مستتراً تقديره: الهولوكوست في ألمانيا وإبادة الأرمن في تركيا، والحليفان لم يستطع – أو لم يهتم- أحدهما من منع حليفه بارتكاب المجزرة. بعد يومين أيضاً تنشر «لو موند» الفرنسية أن معتقلاً «داعشياً» في باريس هو الذي كشف مخطط عملية إرهابية كان سوريون ينوون تنفيذها في ألمانيا. لكأن حصار الرقة يترافق مع حصار تركيا.
لكن ثمة عملية خطرة أخرى: الولايات المتحدة التي تدعم بخبرائها ومعدّاتها (قسد)، تدخلت جواً لترمي إمدادات عسكرية (ذخيرة وأسلحة خفيفة وأسلحة مضادة للمدرعات) لمقاتلي (مارع)، وذلك عندما حاول «داعش» اقتحامها ليقطع الطريق على القوات الكردية. مقاتلو (مارع) تصفهم «لوفيغارو» بالثوار، وتقول إنهم من «الجيش الحر»، لكن مصادر إعلامية أخرى تقول إنهم من كتائب السلطان مراد والقوات التركمانية وجبهة النصرة. فهل صدر حكم الإعدام فقط بحق «داعش». وماذا عن «النصرة» ؟ ماذا عن الإرهابيين الآخرين الذين لم يقصّروا عن التنظيم فظاعة؟ هل سيتم غسل وجوههم السوداء ليقدموا فيما بعد كبدائل أو كشركاء ؟ أم يؤجل أمرهم إلى حين الانتهاء من «داعش» وهذا ما لن يكون أمراً سهلاً ولن يتحقق خلال أيام أو أسابيع.
وبالعودة إلى العمق وبعيداً عن هول الإرهاب: «داعش» أعلن الخلافة واستقل وأراد أن يقود الآخرين أو يقضي عليهم، أما «النصرة» فلا تزال على ولائها للقاعدة وللظواهري، ولها بذلك امتداداتها في كل العالم العربي، في حين تحافظ التنظيمات الأخرى على ولاء معين لطرف عربي أو إقليمي أو دولي معين. وهنا تبرز أسئلة المستقبل، المستقبل البعيد: بعد «داعش»، هل ستسلم الجرّة بين كل من هذه التنظيمات وهذه الأطراف ؟ وهل ستتوقف الحروب بالوكالة ؟ هل ستسلم الجرّة بين القوات الكردية والقوات العربية حكومية أو إرهابية أو معارضة؟ هل سنرى يوماً أعداء الأمس حلفاء في مواجهة أعداء كانوا حلفاء ؟
البروفيسور الفرنسي جان بيير فيليو، المختص بالشؤون السورية في كلية العلوم السياسية في باريس يكتب محذراً من أن دعم الحلفاء للأكراد يشكل مخاطرة كبرى، لأنه قد يقدم «داعش» كحام وحيد للسنّة العرب. ومن متابعة هذا الرجل ومن يمثّل نفهم واحداً من ثلاثة أمور: إنه يقول ذلك ليستجدي دعماً للفصائل الإرهابية الأخرى – وهذا ما يقوله- وإما أنه لا يفهم شيئاً عن المنطقة وتعقيداتها، وإما أنه يبحث عن دور لفرنسا، أو لأوروبا، في مواجهة تقاسم روسي- أمريكي تعكسه الخريطة على الأرض. وهنا مكمن خطورة أخرى: إن هؤلاء الاستراتيجيين الأجانب، خاصة الأوروبيين، لا يقاربون المنطقة إلا من مداخل إثنية ومذهبية، وهم يعلمون أن ذلك لن يؤدي إلاّ إلى ثلاثين سنة من الحرب توقّعها يوماً باراك أوباما. اليوم وأكثر من أي وقت مضى تبدو نهاية «داعش» في الأفق- ولو البعيد – وتبدو مقولة الرئيس الذاهب أيضاً في أفق أكثر من رئيس قادم، ونحن نحيي المئوية البائسة لسايكس- بيكو.
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/dfb91574-9d00-4298-b609-b74f1133e0fa