شائع استعمال المصطلحات الهندسية في الخطاب السياسي، ليس فقط من باب ادراك اهمية الجغرافية في السياسة، بل واضما را لنوايا وخطط يراد تسويقها من خلال الخطاب. واذا كان العالم العربي قد عرف منذ فجره تسميات سياسية جغرافية بريئة النوايا، من مثل الهلال الخصيب او وادي الاردن او الضفة الغربية او وادي النيل، او الصحراء الغربية، الخ… فان التسميات الحديثة لم تخل ابدا من البراءة، بل انها حملت بدلا عن الصدق الجغرافي النوايا السياسية المريبة، من مثل الخط الاخضر، الشريط الحدودي، خطوط التماس، الهلال الشيعي والمثلث السني الخ… غير ان قمة دمشق الاخيرة اعادت الى المصطلح الجوبوليتيكي مصداقيته ودلالته الواقعية البليغة عندما تم الحديث عن وقوع دمشق في قلب المثلث الخطر: اللبناني – العراقي – الفلسطيني. عبارة قصيرة تحمل من البلاغة ما يناقض انشائية خطب هذه القمة وغيرها من القمم ومن الخطب السياسية العربية. فهذا المثلث هو الترجمة الواقعية لاكثر من امر: هو ترجمة للاستهداف الاساسي للمشروع الصهيوني في المنطقة، وهو ترجمة للاستهداف الواسع للمشروع الاميركي في المنطقة، وهو ترجمة بالتالي للوضع الخاص الذي لا بد من الاعتراف به لموقع سوريا الخاص من هاتين الترجمتين. تماما كما ان لمصر دورا خاصا في نقطة الاستهداف الاميركي – الصهيوني في دارفور السودانية، او ما للجزائر من موقع خاص في نقطة الاستهداف الاميركي في المغرب العربي. وبنظرة هندسية جغرافية، نصل ايضا الى الخطورة التي تشكلها فلسطين كرابط بين المثلث السوري هذا وبين الوادي المصري – السوداني، وما يشكله العراق من من رابط بين هذا المثلث وبين الجزيرة العربية، واخيرا ما تشكله ليبيا من رابط مع المغرب العربي.
غير اننا نتوقف هنا عند المثلث المذكور بشكل خاص لنتبين اية بؤرة خطيرة يشكلها، ولنتبين ايضا حق سوريا في الحذر وفي التوجس، وفي التهيؤ للمواجهة وللسير في حقل الالغام. كذلك لنتبين خطورة هذا السير وما يتطلبه من ذكاء سياسي استثنائي. لكن ذلك بالمقابل يقودنا وبوضوح شديد الى اكتناه دواعي الضغط الاميركي اللامحدود على عاصمة الامويين، لانها قد تكون العائق الاكبر في عدم انتشار حريق الفوضى الخلاقة في المثلث المذكور كله، كما انها تشكل الواحة الوحيدة التي تشكل متنفس المقاومين الذين يرابطون في مناطق الحرائق الثلاث: شرقا وغربا وجنوبا. وليكن لاي منا ان نتخيل كيف سيكون عليه الامر لو سقطت هذه الواحة ( لا سمح الله ) في حريق العم سام او الخال يهوه.