خلال المؤتمر الذي عقد في باريس حول الأمن والتعاون، لإبرام نهاية يالطا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1990 أعلن الرئيس الأمريكي بوش الأب: «لقد انتهت الحرب الباردة» أي المواجهة بين الشرق والغرب.
بعد ذلك بشهر واحد، في أول أكتوبر/تشرين الأول 1990 ألقى خطبة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أزمة الخليج تحدث فيها عن «السنوات الماضية» وعن «عصر جديد» وصفه ب«الأمن والتعاون والحرية».
بعد ذلك بثلاثة أشهر، في 15 يناير/كانون الثاني 1991، اندلعت المواجهة على حدود العراق، «حرب دارت أمام كاميرات التلفزيون كما دارت على الأرض، ومثلها مؤتمر مدريد الذي نتج عنها».
الديبلوماسي والباحث الفرنسي جان كريستوف روفين علق على ذلك «لقد حدث كل ذلك كأزمة كان من الممكن أن تكون موضوع حل تفاوضي، لكنها كانت مناسبة التقطتها الولايات المتحدة لتقيم هيمنتها المطلقة، في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري على منطقة ذات أهمية حيوية»، في حين تعتبر «قضية المصادر الطبيعية، خاصة مصادر الطاقة، ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى أية قوة صناعية، في هذه المرحلة من التاريخ الاقتصادي للعالم الصناعي. ذاك أن الموضوع يمسّ وضعها ووسائلها والوسائل التي تسمح لها بالعمل». كما يكتب بول ماري دو لا غورس.
أما جان بيير شوفينمان فرأى (في كتابه فكرة معينة عن الجمهورية الذي ترجمته الكاتبة إلى العربية بعنوان: أنا وحرب الخليج)، أن «حرب الخليج، ما إن انتهت حتى استقر نظام عالمي جديد حدده الشمال، على رأسه إمبراطورية أحادية تنهي عالم ميترنيخ التعددي وتعود إلى عالم بيلوب الروماني، منهية في طريقها عالم باندونغ وعدم الانحياز اللذين أرادا أن يعطيا مضموناً لمصطلح العالم الثالث.
يومها قلب الأمريكي طاولة يالطا، وإن كان قد جر جلساءه وشركاءه عليها إلى حربه الشرق أوسطية باسم التحالف الدولي.
اليوم، تتم قراءة المشهد الدولي بطريقة معكوسة تماماً: فالسيد الواحد قبل العودة إلى التعددية، وقبل التقاسم مع خصمه المهزوم في عام 1980 والمترنح على قرقعة انهيار جدار برلين، كما كان قد قرر يوماً التعاون مع برلين العدو المهزوم قبل يالطا. فأية «يالطا 2 » ستعيد رسم خريطة العالم؟
بالطبع هي ليست فيينا الموسعة كما رأيناها. إذ إن إخراج الفيلم – الحل يحتاج الى كومبارس. بل هي فيينا الرباعية وفيينا القادمة التي (سيجلس أو جلس) فيها حتماً (حتى ولو خارج المشهدية) الكبار الجدد إلى جانب طرفي النزاع المحليين المعلنين: الحكومة السورية من جهة، وفريق لا نعرف كيف سيتشكل من المعارضة، إذ إن الجيش الحر وحده يتمثل هذا الأسبوع في لقاء مع الروس بثمانية وعشرين قائداً، في حين ما زال هناك آخرون من قادته، يعتبرون أن من حقهم الحضور، فيرفعون الصوت بأن هؤلاء لا يمثلونهم. فأي جيش هذا، كله ضباط من دون تراتبية؟ وكيف ستتحقق آلية دمجه مع الجيش العربي السوري؟ بعدها سنرى لقاءات أخرى ترضي البعض وتغضب البعض الآخر، وتفصل فيها وزارات على مقاس بعض الشخصيات المعتدلة.
لن يكون صعباً على الروس، وبتفويض أمريكي وتنسيق، أن يجدوا شخصيات عدة ترضي أطراف أيضاً، وتوضع خارج دائرة العنف والإرهاب، لتشكيل حكومة موسعة، حكومة وحدة وطنية. ولكن ما سيكون صعباً هو الوصول إلى ما يسمى وقف إطلاق النار. ما يعني التوصل إلى اتفاقات مع قيادات الذين يطلقون النار، قيادات صورية في الداخل ومربطها الحقيقي في الخارج، فيمن يمول. وهنا تكمن عقدة أخيل.
التحدي الثاني وهو الأهم، وهو المصيري، ليس لسوريا فقط، وإنما للمشرق العربي برمته: أي سوريا سيشكل هؤلاء؟ يكثر الحديث عن الدستور، فأي دستور سيضعون؟ أكبر الأخطار أن تقدم علمنة سوريا ودولتها المدنية ضحية على مذبح الحل. فإذاً لا حل، بل لبننة وعرقنة تدمّر وتفتت إلى يوم القيامة. محاصصة تحول الشعب إلى مجموعات مذهبية وعرقية لكل منها مرجعها الخارجي. ما يحول النحن إلى «نحنوات» لا يمكن أن تكوّن دولة. هذا الخطر الهائل يقطع طريق أي إصلاح للصيغتين اللبنانية والعراقية المدمرتين ويهدد جميع الدول العربية الأخرى بموت الدولة.
زعماء «يالطا 2» سيعيدون تقاسم العالم، وسيكون العرب عبر سوريا – كما كانوا دائماً – أول أرنب يوضع على المشرحة، ونحن نعيش ذكرى وعد بلفور المتلازم مع سايكس بيكو.
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/3ae0f84d-83fc-40ea-a12c-a48b2c98a846