اسئلة لم تطرح

صحيفة السبيل، 05-08-2008

كونها لم تطرح لا يعني انها لم تدر في الذهن منذ اليوم الاول لاغتيال القائد الشهيد عماد مغنية. واذا كانت الاسئلة قد انتظرت  اعلان دمشق لنتائج التحقيقات بعد مؤتمر القمة – كما وعدت – فان عدم حصول ذلك، جعلها تعود الى السطح بشكل مقلق اكثر.

لا شك ان عماد مغنية مستهدف من قبل الاجهزة الاسرائيلية منذ ان عرف الحاج رضوان كقائد عسكري للمقاومة اللبنانية تحقق على يده انتصارن هما الاذل في تاريخ اسرائيل، وربما قبل ان يعرف احد  ان الحاج رضوان هو عماد مغنية، وان تعرف بالتالي صورة وجهه وملامحه.

ولكن لماذا لم تنفذ العملية الا الان؟  ولماذا لم تعلن  نتائج التحقيق بعد ان اشيع ان المكان كان محكوما بكاميرات مراقبة سجلت كل شيء؟

لن ندخل ابدا في تفاصيل: من؟  فهذا هو السؤال الاقل اهمية، لا لانه كذلك بل لان جوابه هو  نتيجة تحليل الظروف. ولكننا يمكن ان نتوقف كمحللين عند السؤال: لماذا، بل ولماذا الان؟

القائد الشهيد مدين لاسرائيل بثار، هذا معروف. ولكن هل هو مدين لطرف اخر بطريقة وقائية، وفقا لنظرية الحرب الاستباقية التي باتت تشكل جوهر الستراتيجية الاميركية؟ وهل ان ثمة متغيرات في الافق تعزز الاستحقاق؟ هل هو  شهيد الانتصارات الماضية المنجزة؟ ام هو شهيد نوعين من التحولات  من شان كل منها ان يغير وجه المنطقة: تحولات كان يحلم بها ويعمل لاجلها – ربما برومانسية الثوري المؤمن  المفتقر الى البراغماتية –  باتجاه تعميم المقاومة، على ساحة اخرى غير اللبنانية،  ساحة من غير المسموح اللعب بها، الا ضمن حدود واطر معينة،  لا تسمح بالوصول الى  انتصارات  بعيدة الامد، ما تزال ارهاصاتها في بداياتها، ولذا لا بد من خنقها في المهد ؟  وتحولات  من الممكن بالمقابل   ان تضع المنطقة على سكة اخرى مختلفة تماما؟

صحيح ان الحاج رضوان هو العدو الاكثر اذى لاسرائيل، لانه حقق انتصاري 2000 و2003 عليها في لبنان، ولكن ثمة ثلاثة ملاحظات هامة  تحيط بهذه الحتمية:

اولا ان اسرائيل سبق وتخلصت من القادة العسكريين الذين شكلوا عليها خطرا، من عملية اغتيال القادة الثلاثة  في فردان في بيروت، الى عملية اغتيال ابو جهاد في حمام الشط في تونس، وما بينهما وما حولهما الكثير، لكنها لم تخف في اية مرة تورطها في العملية، بل طالما تفاخرت القيادات الاسرائيلية بانها هي التي اصدرت حكم الاعدام وهي التي خططت ونفذت. وطالما جعل القادة السياسيون من مشاركتهم في تخطيط وتنفيذ عملية كهذه، بندا مهما، وربما الاهم على سيرتهم الذاتية: من باراك  ” فتاة فردان ” الى تسيفي ليفني، الى بنيامين نتنياهو، وشقيقه قتيل عنتابي، هذا كي نبقى في جيل المسؤولين الحاليين ولا نضيع في السلسلة الطويلة من القتلة الاسرائيليين. فلماذا نفت اسرائيل هذه المرة علاقتها بقتل عماد مغنية؟

ثانيا: ان كون مغنية هو قائد الانتصارين الذين سحقا معنويات اسرائيل وجيشها، يعني ان حكامها كانوا بامس الحاجة للتباهي بقتله وسيلة لغسل وجههم وفشلهم ولرفع معنويات الجيش والشعب، لا لمجرد القول: لم نقتله ولكننا سعداء بذلك.

ثالثا: هنا لا بد من ان نتذكر ان الدولة العبرية لم تخض حرب تموز  لحسابها الخاص – وربما لاول مرة في تاريخها – بل كان عدوانها على لبنان  تنفيذا  لاوامر اميركية، ارادت ان تداري ببلاد الارز الفشل في بلاد الرافدين، وان تطلق من بيروت مشروع الشرق الاوسط الجديد بعد ان فشلت عملية اطلاقه من بغداد. وكل من تابع المرحلة يذكر غضب تسيفي ليفني  وخطها،  ومعارضتهم  للحرب، لهذا السبب، دون ان يكون بامكان حكومتها ان ترفض الطلب الاميركي، بعد ان حاربت الامبراطورية حرب اسرائيل في العراق، ودمرت لها القوة العسكرية والاقتصادية الوحيدة التي كانت تخشاها في المنطقة.

في المنطقة الان،  لا يقوم الرهان الاكبر للامبراطورية الاميركية على لبنان، ولا حتى على فلسطين، وانما على الساحة العراقية، فهناك سيتقرر مصير المنطقة، ومصير الامبراطورية، ومصير العالم. مصير لن يتحدد بشكل مؤذ فعلا للمشروع الاميركي – الصهيوني الا اذا وصلت المقاومة العراقية لان تكون سنية – شيعية. ولست انسى ما قاله لي سياسي اوروبي كبير خبير بشؤون المنطقة قبل سنتين في باريس: ” لن يفشل الاميركيون في العراق، ولن يتحرر هذا البلد الا اذا تم تثوير شيعته ضد الاحتلال “. واذا ما ربطنا هذا الاعتبار بما بدا يرشح على ثلاثة مستويات من تدخل لحزب الله في العراق:

المستوى الاول: الانباء والفيديوهات المصورة التي بثتها وسائل اعلام  متعددة خاصة قناة المنار عن عمليات هناك، سواء باسم حزب الله او باسم تنظيمين اخرين ( كانوا ثلاثتهم حضور في تشييع مغنية ).

المستوى الثاني هو  حديث غورد براون عن: ”  الاسس الوحيدة التي تشير الى دليل جديد لتورط حزب الله لدعم الارهاب في العراق، عبر التخطيط لاختطاف مسؤولين بريطانيين هناك”، وتوازي ذلك مع تصريحات لمسؤولين برلمانيين عراقيين عن مسؤولية حزب الله عن اختطاف خبراء بريطانيين من وزارة المالية العراقية في ايار 2007.

المستوى الثالث:  ارتفاع واتضاح نبرة حسن نصرالله في خطبه الاخيرة، حول  الالتزام بالمقاومة في العراق: قوميا واخلاقيا وسياسيا.

فهل ان كون مغنية هو منفذ هذا الالتزام، وهو الذي اشرف على عملية التثوير والتنظيم  في العراق – فيما لم يعد سرا – بطريقة تشكل مقاومة حقيقية لا مادة للمقايضة والمساومة،  قد شكل الخط الاحمر النهائي الذي لا يمكن ان يسمح له بالمساس به، من قبل اكثر من طرف عربي واجنبي واقليمي، من  الاصدقاء الى  الخصوم الى  الاعداء؟

هل تجاوز عماد مغنية خطوط سايكس بيكو الحمراء والزرقاء  حين صمم  على ان ان ينقل تجربة لبنان الى العراق وربما فلسطين، فالتفت عليه جميع الخطوط لتفجر في وجهه نجمة سداسية، وترمي على سر شهادته عباءة الصمت ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون