طبيعي ان تعترض اسرائيل على زيارة الرئيس السوري الى موسكو، خاصة عندما تاتي الزيارة بعد احداث جورجيا. وطبيعي ان يشكل طرح نشر منظومة صاروخية روسية في حمص موضوعا مقلقا للولايات المتحدة واسرائيل معا، كونه ياتي معادلا موضوعيا لنشر المنظومة الاميركية في بولونيا، كما ياتي الاعتراف بانفصال اوسيتيا وابخازيا، معادلا موضوعيا للاعتراف باستقلال كوسوفو.
انها لعبة عض الاصابع بين الكبار، تتم على طاولة الصغار، دون ان يمنع ذلك هؤلاء من الافادة من معادلات التوازن الدولي الذي عاد يطل براسه على مستوى الكرة الارضية. حيث لم تعد واشنطن الامبراطورة المتربعة دون منازع على عرشها، بل ان ملكات اخريات عدن يطالبن بعروشهن، ضمن ناد ملكي يضم اكثر من عرش واكثر من صولجان بدلا من العصاة الواحدة.
واذ يعيد ذلك رياح الحرب الباردة الى الغابة، فانه من الطبيعي الا تسلم الامبراطورية بمعادلة التقاسم، وان تجند كل امكاناتها وتحالفاتها لمنعها، ضمن خطين متوازيين: تطويق المنافسين واضعافهم، والهيمنة على المناطق الستراتيجية، من حيث اهميتها الاقتصادية و من حيث موقعها الجغرافي. في هذا السياق تبرز روسيا والصين كعناوين للفريق الاول، كما ياتي التنافس على اوروبا حاسما، وكما ياتي التنافس على الهيمنة على الشرق الاوسط مصيريا، ومثله على جمهوريات اسيا الوسطى.
لذا كان نزول الولايات المتحدة في جورجيا، اول مطلب وقعه شيفارنازده مقابل سكوت واشنطن عن فساده الذي اغرق البلاد في فقر مدقع، يليه ابرام الاتفاق على مد خط انانيب النفط القاري “باكو ـ تفليس ـ جيهان” في تركيا، الذي سيؤمن نقل النفط من اذربيجان، مزاحما خط باكو ـ نوفوروسييسك (على البحر الاسود في روسيا)، مما يعطل الدور الستراتيجي للارض الروسية كممر لنفط حوض قزوين الى اوروبا، ويقطع الطريق على تنمية العلاقات الروسية ـ الاوروبية الغربية، على حساب المصالح العليا الاميركية ويعزز فرص انصار الامركة في القارة العجوز، من مثل نيقولا ساركوزي او برلوسكوني او ميركل، في وجه خط الاستقلالية الاوروبية، وخاصة محور موسكو – برلين – باريس الذي مثله بوتين – شرودر -شيراك. كما ان من شأن هذا الخط ان يرفع بشكل استثنائي من اهمية تركيا في نظر اوروبا الغربية، ويجعل عضويتها، المؤجلة باستمرار، في “الاتحاد الاوروبي” بحكم المضمونة، لان اوروبا الغربية ستصبح بحاجة لهذه العضوية اكثر من حاجة تركيا اليها، ويعزز الدور التركي في العالم الاسلامي عامة، وبمواجهة الدول العربية وايران خاصة. كما انه ـ اي خط الانابيب هذا ـ سيقلل من الاهمية الستراتيجية العالمية لنفط الشرق الاوسط، ويزيد اوراق الضغط الاميركية ضد الدول العربية وايران وغيرها من الدول المنتجة للنفط. ما يستحق التوقف هنا هو ان الذين كان يطلفق عليهم الاباطرة الخمس من اليهود الروس، والذين كانوا يسيطرون على شركات النفط والغاز ( من بين سواها ) في عهد يلتسين، قد سهلوا عملية مد الخطوط هذه التي تتعارض كليا مع مصلحة بلادهم، ومن ثم هرب معظمهم، بعد مجيء بوتين، الى خارج البلاد، من مثل بيروزوفسكي الذي اشتهر بعد فراره الى لندن بجواز اسرائيلي.
وبعد فشل حرب تموز في لبنان، في تحقيق هدفها الرئيسي، اي الشرق الاوسط الجديد، وبعد الدور الذي لعبه السلاح الروسي في هذه الحرب، انتقل الثقل الاسرائيلي الى جورجيا، تنفيذا لمصلحة اميركية – اسرائيلية، موجهة ضد روسيا ن بالطبع، ولكنها ايضا متعددة الاوجه المترابطة كليا، و منها الالتفاف على طهران، ودعم التحالف مع تركيا في حين تدور المفاوضات مع سوريا برعاية انقرة، مما يفسر عبارة تبدو خيالية: ” تصفية حزب الله والمقاومة العربية من تبلسي “.
اما الهدف الخفي الذي سرى مفعوله كالسم عبر جورجيا، فهو نتاج التزامن بين الحضور الاميركي – الاسرائيلي، وبين الدعم الجيورجي لمتمردي الشيشان، بحيث جعل منها مركز التدريب العسكري والتموين بالسلاح والعتاد، ومركز البث الاعلامي، ومركز لقاءات هؤلاء مع السي اي ايه والموساد ومؤيديهم من اليهود الروس وعلى راسهم بيروزوفسكي نفسه. وعبر هذا كله تحقق هذه الاجهزة خطتها الجهنمية في ربط جزء من التيارات الاسلامية بها و خلق عملاء من داخل الاسلاميين انفسهم للتجسس على التيارات والحركات الممانعة واختراقها.