غريب هذا الكرم العربي المنهمر على حكومة نيقولا ساركوزي، بعد الشح الذي قارب القطيعة ازاء حكومة الرئيس شيراك. فمن الجزائر الى ليبيا يحصد سيد الاليزيه المليارات العربية التي لن تتاخر دول الخليج عن المساهمة فيها، خاصة وان ساركوزي قد جعل ضيفه الرئيسي لاحتفالات 14 تموز الفائت امير قطر وزوجته. اكثر من سؤال تحيط بهذا التحول، ربما يكون من اهمها مقارنة الفوائد التي يجنيها كل من الطرفين من هذه العقود الموقعة. لنرى ما اذا كانت الفوائد التي سيجنيها الطرف العربي تستحق القيام بدعم حكومة مؤيدة علنا لاسرائيل وللاميركيين. وهو يفضي الى سؤال اخر عما اذا كانت هذه الفوائد ايا يكن حجمها ستصب في صالح التنمية المستدامة في الدول المعنية، ام انها ستذهب لدعم النظام الحاكم فحسب ؟
واذا لم يكن الجواب بصعب على كل من السؤالين، فان السؤال السياسي الذي يؤرق كل متابع هو ذلك المتعلق بشح العرب المطلق ازاء حكومة شيراكية ديغولية افتتحت عهدها بدعم القضية الفلسطينية مما جعلها عرضة لوابل نيران مادلين اولبرايت، وعارضت الحرب على العراق بشكل حاسم وشجاع مما جعلها عرضة لشتائم دونالد رامسفيلد، واتخذت موقفا مبدئيا متواصلا وحاسما على الصعيد الدولي ازاء التفرد الاميركي بالهيمنة على العالم، وقادت اوروبا في هذا السياق الذي كان من شانه ان يعيد بشكل اسرع التوازن الى العلاقات الدولية مما يصب في مصلحتنا نحن العرب قبل غيرنا، ووقفت في وجه الولايات المتحدة في المؤتمرات الدولية فيما يخص كل القضايا البيئية والانسانية التي تهم العالم. ولاجل عودة التوازن هذه، اقامت محورا قويا بين موسكو برلين وباريس تبنى كل هذه القضايا. وعندما استنفد ت ادارة جورج بوش واللوبي اليهودي العالمي كل قدراتها لافشال هذا المحور وهذا التوجه، بدءا باسقاط غيرهارد شرودر، وانتقالا الى تفشيل شيراك ودوفيللوبان بعد ازاحة الان جوبيه، اعتمدت بشكل رئيسي على تفعيل الازمة الاقتصادية الخانقة في كلا البلدين، كما على بعبع الارهاب.
واذ نجحت في الخطوات الاولى في تحقيق ايصال رجالها مكان هؤلاء المغضوب عليهم صهيونيا واميركيا، كان نيقولا ساركوزي اكثر هؤلاء الرجال وضوحا في امركته واسرلته. لم يحاول ان يجامل او يحابي في ولائه المطلق لاسرائيل، ونقضه النهائي لما يسمى بسياسة التوازن ازاء قضية الشرق الاوسط. بل انه لم يتورع عن التعبير المصر عن ذلك في الجزائر نفسها عندما اثار بوتفليقة قضية الاتحاد المتوسطي وقيام الدولة الفلسطينية، اذ رد عليه بان ما يجب تامينه اولا هو امن اسرائيل. وكذلك رد على القذافي الذي قال ان مشكلة الاتحاد المتوسطي هي وجود اسرائيل بالقول ان اسرائيل هي قلب هذا الاتحاد.
رغم ذلك لم يتردد الزعيمان في توقيع اتفاقيات بمليارات اليوروهات معه، اتفاقيات لو اعطوا نصفها لحكومة جاك شيراك لضمنا بقاء ادارة فرنسية متوازنة ازاء القضايا العربية. لكنهم على العكس يكافئون من يحارب قضايانا، وينقض التوازن ازاءها، فمقابل ماذا؟