احيانا نتساءل هل ان التمزق والتشرذم طبيعة فينا ام هي طبيعة من طباع التخلف بشكل عام. فلا نحن الامة الوحيدة في العالم التي تتشكل من اعراق او من اديان او من طوائف. ولسنا الامة الوحيدة في العالم التي تمتلك احزاب وانفسامات سياسية، فهذه طبيعة المجتمعات الانسانية. لكننا نكاد نكون في طليعة الامم التي لم ترض بما قسمه منها الاستعمار جاعلا من حلم الدولة واقع اثنين وعشرين دويلة، بل راحت تتفتت داخل كل من كياناتها هذه الى اعراق واديان، ومن ثم الى مذاهب داخل الدين الواحد، وبعد الى فصائل داخل المذهب الواحد واذا لم يتوفر اي من هذه فلا باس ان تعتمد الجغرافيا قاعدة للتشرذم بين شمال وجنوب ووسط وقطاع وضفة وساحل وجبل.
غير ان السؤال لا يلبث ان يتعقد اكثر، حيث نرى ان التجزئة سبب اساسي من اسباب العجز، لكننا نرى بالمقابل ان هذا التفتت يزداد ويتفرع نتيجة للضعف والعجز وينحسر ويكاد يختفي كنتيجة لحالات الانتصار والقوة. في علاقة تبادلية ليس من السهل ابدا تبين اي طرف فيها هو سبب الاخر واي هو النتيجة. كلنا نذكر عام 1989 والاجواء التي تولدت بعد انتصار العراق في حرب الخليج الاولى. ونذكر كيف راح العرب جميعا يلتفون حول العراق بل ان الكثيرين من الاردنيين والكويتين طالبوا علنا بالاتحاد مع العراق، كذلك نذكر الالتفاف الشعبي الذي تحقق في فلسطين خلال الانتفاضتين، خاصة الاولى. والالتفاف العربي حول حزب الله بعد التحرير. هذا كي لا نعود الى الماضي الابعد لنذكر كيف ذهب الضباط السوريون الى عبد الناصر يطالبونه بالوحدة. حتى اذا تراجعت كل هذه الارهاصات المبشرة، وانزاحت الى الفشل، جاءت الردة اقسى مما كانت عليه الحال قبلها، وراحت القنبلة العنقودية تتشظى الى ما لا نهاية.
وبذا يطرح السؤال المصيري كيف السبيل الى الخروج الى حالة وحدة، بدءا من الوحدة داخل كل كيان بذاته، ووصولا الى نوع من الا ئتلاف حول مصالح الامة كلها ؟ وبنظرة الى ساحة الواقع نرى ان الحل يكمن في امرين : اولا، الايمان باساس وطني للانتماء يجعل الوطن فوق الطوائف وفوق الاعراق وفوق المذاهب وفوق الفصائل، ويجعل من الفرد مواطنا قبل ان يكون اي شيء اخر. وثانيا، توفر القيادة التي يمكن ان تنتزع ثقة والتفاف الناس، وتمتلك رؤية تجعل من الشرط الاول برنامجا وستراتيجية ونهج حياة، كما تمتلك حلما بحجم مصالح الامة وحنكة سياسية كافية وسط العواصف الصعبة المحيطة. واذا كان لنا ان ندعي بان كل فرد منا يمكن ان يساهم في تحقيق الشرط الاول، كما كوم القمح من حبات، فان توفر الشرط الثاني مرهون بالاقدار التاريخية التي يبدو بوضوح انها قررت ان تحرم هذه الامة، ولامد لا نعلمه، من قيادة فذة حقيقية !