الصين وروسيا وكوريا الجنوبية ترفضان العقوبات العسكرية ضد كوريا الجنوبية رغم انها تحدّت العالم الغربي واجرت تجربتها النووية، بل وتصران على ان لا تؤدي العقوبات الى الاستفزاز وعلى ان تكون محدودة المدة والا يتضمن قرار مجلس الامن ولو التلميح من بعيد الى الفصل السابع، واميركا التي كان سفيرها المتشدد يصرح للصحفيين بان التصويت سيتم وفق مطالب بلاده، لم تعد تستطيع شيئا ازاء ذلك.
اوروبا، بما فيها بريطانيا لاتريد حلا عسكريا مع ايران، بل انها تتردد في انزال عقوبات اقتصادية ببلاد فارس، واميركا تجد نفسها مضطرة لتجاذب السجادة مع اهل البازار.. فاين هي قوة الخير العظمى الان من محور الشر؟ هل كان هدفها الوحيد من رسم هذا المحور هو احتلال العراق؟ ام ان تجربة احتلال العراق هي التي جعلتها تترنح امام بيونغ يانغ الفقيرة المتحدية و جعلت ديبلوماسييها يلعبون المرجيحة مع طهران ، بل ويستعينون عليها باوروبا التي كانوا ينعتونها بالامس بالقارة العجوز ويسرفون في الاستخفاف بها.
لقد هزم الرئيس المزموم العينين والشفتين – بما يعني ذلك في علم الفراسة- ولكن من هزم فعلا هي الانتلجنسيا الاميركية المتهودة التي خططت للعراق وزرعت في راس الرئيس المشعوذ قصة الثنائية المانوية بين الخير والشر. ومن هزم الجميع فعلا هو قوتان: قوة ادراك الدول المحيطة بكوريا لمصالحها ووقوفها بصرامة الى جانب هذه المصالح. وقوة المازق العراقي الذي تعيشه الولايات المتحدة الاميركية. فهل كانت غطرسة واشنطن السكرى ستسمح لها بهذا التراجع لولا الصفعة العراقية؟ الا يمكن القول بان من يحمي الكورييين الان، اكثر من الصين وكوريا الجنوبية وحساباتهما الستراتيجية، هو الدم العراقي؟ الا تستفيد ايران من واقع ان مزادات البازار التي تخوض لم تكن لتجد فسحتها لولا هذا الدم ؟ اولم يكن ما حمى المقاومة اللبنانية من تدخل اميركي مباشر ضدها هو التخوف من مستنقع عراقي جديد؟ لكن ثمة معادلة طافحة بالمرارة الحادة هي ان اهم غرفة في بيت الطاعة التقليدي الذي تضطر واشنطن للعودة اليه في مازقها هذا هو جمع حلفائها العرب التقليديين الذين حلم الناس للمحة بانهم قد يتخلصون منهم. مما يدلل على انه كان بامكان هؤلاء الحلفاء ان يمنعوا الدمار الكبير عن العراق لو انهم فكروا بما تفكر به بكين من تاثير التعرض لكوريا على مصالحها القومية وعلى مصالحها الاقتصادية التبادلية مع بيونغ يانغ ومن امكانية امتداد شرارة التفكك الى كيانها. وهي نفس الاخطار التي شكلها احتلال العراق على العرب. لو انهم فكروا للحظة واحدة بما تفكر به كوريا الجنوبية من روابط لم تستطع لا الحرب ولا الامركة والشيوعية من القضاء عليها، لو انهم فكروا بما تفكر به روسيا من تقدير مصالحها. ومن طرح السؤال المركزي: وماذا بعد؟ مؤلم ان ننظر الى ما يطلب من بيونغ يانغ: السماح لمفتشي الطاقة الدولية بالدخول الى منشاتها، والعودة الى طاولة المفاوضات، وان نقارن ذلك بما طلب من العراق ونفذه. لكن العراق كان يوسف وليوسف اخوة معروفون… غير ان يوسف العراقي اثبت انه ليس جميلا ومفضلا فحسب بل انه قوي وقادر – ان لم يكن على الخروج من الجب بسرعة، فعلى جر عدوه اليه بقوة – وبذاك غلّ يديه عن الاخرين من يستحق منهم ومن لا يستحق.