ان تكون اسرائي دولة اليهود، ذاك هو الرهان الاساسي للمشروع الصهيوني. وكي ينجح هذا الرهان ويسكت الاعتراضات التي ترى في ذلك رؤية عنصرية بحتة، لا بد من جعل هذا المنطق الذي يحول الانتماء الديني الى محدد للانتماء الوطني السياسي منطقا سائدا في المنطقة واذا امكن في العالم، مما يقتضي حكما محو الصورة التعددية التي وسمت وتسم العالم العربي المحيط بالدولة الغاصبة. محو يبدا حكما من فلسطين، ويمتد الى كل الدول المحيطة. كي يمكن القول: هذه دولة المسلمين وهذه دولة الموارنة وهذه دولة الشيعة، فلماذا لا تكون هناك دولة لليهود؟
منطق يمكن به فهم الحربين اللبنانية، والسودانية، وفهم ما يحصل في العراق وفي مصر، وبشكل اخص فهم العمل الدؤوب على تهجيرالمسيحيين من المنطقة.
بما ان فلسطين تظل البؤرة وجوهر الرهان فان حماية الوجود المسيحي فيها تصبح مسالة من اساسيات النضال المقاوم. خاصة اذا ما نظرنا الى تناقص عدد المسيحيين في الاراضي المقدسة الذي انخفض من سبعة وعشرين بالمئة الى اثنين بالمئة. وذلك تحت وطاة العصاة والجزرة: تضييق على الارض، وقطع سبل العيش، وفتح ابواب الهجرة على مصراعيها. ففي حين يفرض الحصار على بيت لحم والقدس ويحرم السكان من مصدر رزقهم الاساسي المتمثل في عائدات السياحة الدينية، تمد لهم جزرة الخلاص الفردي شهية سهلة.
صورة لا تختلف كثيرا عما يحدث في العراق مع فارق ان الوعي الذي يسود المقاومة الفلسطينية، وضبط فعالياتها القتالية، وانخراط جميع الفلسطينيين فيها، لم يترك مجالا لعمليات عنف ضد المواطنين المسيحيين تفتعلها اسرائيل وتتهم بها المنظمات الاسلامية كما يحصل في العراق. وربما يعود الفضل في ذلك الى طبيعة المجتمع اولا والى الوعي السياسي الذي ساد منظمة التحرير منذ نشاتها والى عدد من القيادات المسيحية وخاصة رجال الدين الذين جعلوا انفسهم في صميم النضال الوطني بل وفي مقدمته: من المطران المرحوم ايليا خوري الىالارشمندريت عطاالله حنا.الى سواهم.
لكن هل يستطيع هؤلاء ان يمنعوا الخطط الصهيونية التي تمتلك القوة والقرار على الارض؟
وكم من الوعي تحتجه هذه المقاومة لتؤتي ثمارها، بل ولتحافظ على اساس الشجرة؟