الاهرام

صحيفة السبيل، 29-10-2004

بداية اعتقد ان علينا ان نتحول الى الهجوم في قضية معاداة السامية، بالتركيز الاعلامي والسياسي على واقع اننا نحن الساميون،وان معاداة السامية يجب ان تعني اولا العداء للعرب. فهل اليهودي الروسي الابيض الازرق العينين سامي اكثر مني او منك؟ وهل يتعرض اليهود في اي بلاد من العالم الى معاداة اكثلر مما نتعرض نحن؟

ننتقل الان الى سؤالك:  تصريحات بوش اكثر من مجرد تصريحات، اذ انها تحولت الى قوانين تستطيع الولايات المتحدة بموجبها ان تلاحق الدول التي تقرر هي انها مارست ممارسات لاسامية.واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان القانون المتعلق بمكافحة اللاسامية قد ربط تقييم الولايات المتحدة للدول في هذا المجال بموضوع المساعدات، فانه يمكن لنا ان نتصور كيف ستتصرف الاحكومات المعنية وفي مقدمتها الحكومات العربية ازاء اي سلوك يتهمه الاميركيون او الاسرائيليون باللاسامية.

سابقا كان الاتهام باللاسامية يتعلق  بسلوك ما ضد اليهود لكن الامر تطور الان بشكل خطير بحيث اصبح السلوك المعادي لدولة اسرائيل او حتى لسياساتها مقحما في تهمة معاداة السامية.كما  ان هذا التطور قد وصل الى حظر الكلام عن الصهيونية بلغة الادانة، وهذا ما نلحظه هنا في فرنسا، ليس فقط في الاعلام وانما في المؤسسات الاكاديمية والجامعية. لقد واجهت شخصيا مشكلة بسبب تناول علمي للصهيونية وليس لليهودية.

اعود الى القانون الاميركي، لاشير الى انه شكل حالة فاضحة من فرض تدخل دولة عظمى لمعاقبة من تتهمهم دولة اخرى او حتى اتباع دين معين. هذه الحالة اقتضت اعتراض الخارجية الاميركية نفسها التي اعتبرت انه انتهاك للحريات، غيران الكونغرس اقره والرئيس وقعه. الكونغرس باغلبيته المؤيدة لاسرائيل والخاضع لهيمنة اللوبي اليهودي، والرئيس بتبعيته الكاملة لهؤلاء وحاجته اليهم في المعركة الانتخابية التي تشتد فيها المنافسة يوما بعد يوم.

على ان لا يفهم هذا القول بان بوش انما يقعل ذلك مضطرا. لا انه امر منسجم مع جوهر عقلية المحافظين الجدد، ومع العقلية المسيحية المهودة التي ينتمي اليها الرئيس ومعظم فريقه. وهنا اركز على عبارة المسيحية المهودة وليس على عبارة المسيحية الصهيونية التي شاع استعمالها خطا  في الاعلام العربي. فالمسيحية لا يمكن ان تكون صهيونية لا ن التتناقض بين الاثنتين  جوهري حاد. لكن تهويد المسيحية ومسخها على يد  المحافظين الجدد  الذين اطلقوا على انفسهم لقب ” كريشتيان زيونيست ” جردها من كل مسيحيتها وجعلها يهودية صهيونية بصيغة اخرى.

بناء على كل ما سبق تكون تصريحات بوش تعبيرا عن التقاء العقلية اليهودية الصهيونية مع العقلية المحافظة الاميركية مع المصالح الاسرائيلية والاميركية، مع المصالح الانتخابية، والمصب كله في النهاية دولة اسرائيل ومشروعها الصهيوني.

وفي هذا السياق يجدر ان نذكر بقانون اخر متعلق بالقدس وينص على ان اية دولة لا تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل يجب ان تعاقب بتخفيض او حجب المساعدات الاميريكية.

2- ماذا عن دعوة شارون

بعد اجتياح لبنان، وانكشاف مجازر صبرا وشاتيلا شكلت اسرائيل  لجنة تحقيق، وجهت الاتهام لارييل شارون، فعمد هذا الاخير الى الاستقالة.  وفي لقاء اجراه معه الصحافي  عاموس عوز ونشرته  صحيفة دافار عدد 17 ديسمبر 1982، ثم اعيد نشره مترجماالى الفرنسية ومن ثم الى العربية مع اندلاع الانتفاضة الثانية، قدم شارون الجواب على سؤالك اذ قال بالحرف:

“- ان افضل ثمرة لحرب لبنان ان الغرب لم بعد يقصر كراهيته على اسرائيل بل اصبح يكره هؤلاء اليهود الصغار الرقيقين في باريس او لندن او او نيويورك فرانكفورت او مونريال او سائر الجحور المماثلة.. اخيرا اصبح هؤلاء اليهود اللطفاء مكروهين….اليوم انا مستعد ايضا ولاجل الشعب اليهودي ان اتكفل بالعمل القذر، مجازر   للعرب  حسب الحاجة، طرد، حرق ونفي، كل ما يلزم كي نصبح مكروهين. انا مستعد لان احرق الارض تحت اقدام ” يد” الدياسبورا الى ان يصبحوا مضطرين الى ان يركضوا الى هنا وهم يعولون، حتى ولو استلزم الامر مني ان افجر بعض الكنس اليهودية ”

اعتقد ان هذا الكلام يكفي لتفسير الارتباط بين افتعال الاحداث اللاسامية والدعوة الى الهجرة الى اسرائيل.

واذ اقول الافتعال فانني لا احيل الى التحليل وانما الى الوقائع التي عشناها في باريس منذ اشهر. حيث لا نكاد ننام عن ضجة احداث توصف باللاسامية، وتقوم لها الدنيا ولا تقعد، ثم  تنكشف الامور عن كونها اكذوبة ملفقة، لنصحو على قصة اخرى مشابهة ونهاية مشابهة.: حاخام يهودي يتعرض لحادث طعن،ويعلو الغبار والضجيج،حتى لا يعود في الاعلام حديث اخر، ثم تنكشف الامور عن انه قد طعن نفسه. اعتداء على شاب يهودي في الضواحي العربية، وضحة اخرى لمدة اسبوع ثم ينكشف الامر على ان مجموعة من الشباب وعددهم عشرة قد دخلوا في خناقة،و اصيبوا جميعا وبينهم واحد يهودي. ثم تاتي الحادثة الكبرى: امراة تتعرض لاعتداء في محطة المترو،يمزق ثوبها ويرسم على جسدها نجمة مسدسة ويقلب طفلها الرضيع ارضا، هي تقول ان الذين هاجموها عرب وسود، وتعلو اصوات الاستنكار وعلى راسها صوت رئيس الوزراء، ثم تكشف التحقيقات على ان المراة كاذبة وان شيئا لم يحدث في محطة المترو، بل انها قد فعلت ذلك في المنزل بمساعدة زوجها، النتيجة؟ تخرج على شاشة التلفزيون لتعتذر للفرنسيين ولكن لا للعرب ولا للسود، وتحكمها المحكمة بمبلغ رمزي جدا ويخلى سبيلها.

ويخرج دومينيك شتروس كان، عن الحزب الاشتراكي لبقول: حتى لو كانت القصة ملفقة فذاك لا يمنع من ان احداثا اخرى قد حصلت، وتستمر الاهزوجة  الاعلامية.

اخيرا تاتي حادثة المركز الثقافي اليهودي في الدائرة الحادية عشرة، ويتزامن حريقه مع زيارة شالوم فيهرع اليه ومعه رئيس الوزراء الفرنسي ويعلو الزبد ايضا لينكشف الامر بعد يومين على ان من احرق المركز هو حارسه.

لم يعد هنا ثمة سؤال عن الافتعال، لكن السؤال: اين العرب؟ عرب فرنسا؟ ولمذا يصمتون؟ لماذا لا يصرخون بالمقابل محتجين على تشويه صورتهم؟ اوليس في كل القوانين حق لمن اتهم كذبا بان يقيم الدعوى لتحصيل شرفه وتعويضه؟

الظروف والتحقيقات تفضح كذب اليهود، لكن ذلك لا يمنع من الافادة الاعلامية المطلقة منن ذلك، ومن تركيز احساس الذنب ازاء اليهود.  والعرب  يقفون مكتوفي الايدي متفرجين.

هذا بالنسبة للشق الاول من السؤال وهو يقودنا الى الشق الثاني وهو: لماذا فرنسا؟ ولماذا الان؟

هنا تبرز ابعاد اخرى،  تضيف السياسي المرحلي الى الستراتيجي النهائي. وتلتقي فيها اهداف شارون في التهجير باهداف المنظمات والشخصيات اليهودية التي تريد الهيمنة والسيطرة. كما يلتقي كل ذلك بالسعي الاميركي الصهيوني  المحموم لتغيير السياسة الخارجية الفرنسية التي انتهجها خط الرئيس شيراك، في  استمرارية للخط الديغولي المعروف.

هل تعتقد ان موقف الخط الشيراكي من الامركة وعلاقتها باوروبا، من الاستقلالية الاوروبية؟  من  فلسطين؟ من العراق؟ من مجمل العلاقة بالعالم العربي؟  يمكن ان يمر دون عقاب يهودي اميركي؟

شيراك متحافا مع شرودر يقاتل بعناد لاجل اوروبا مستقلة، حليفة للولايات المتحدة الاميركية ولكن غير تابعة لها.

فرنسا الشيراكية هي التي قادت الموقف المناهض للحرب على العراق، وهي التي تقف عائقا داخل حلف الاطلسي ( حتى مؤتمر اسطمبول الاخير ) وداخل المجموعة الاوروبية ( حتى اللقاءات الاخيرة ) وداخل المجموعة الصناعية ( ختى في احتماعها في ضيافة الرئيس بوش، حيث علقت الصحافة الفرنسية ان الرئيسين لم يتفقا الا على امتداح طاهي الرئيس الاميركي  ) وفي مجلس الامن، دون ارسال قوات اوروبية او اطلسية الى العراق لانقاذ الاميركيين من المازق الكبير قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية. والتحدي مستمر حتى  الموقف الفرنسي الاخير من المؤتمر الدولي حول العراق، وشروط فرنسا للموافقة عليه، ورد بوش بعد يومين في احدى خطبه باننا لن نترك لدولة عضو دائم في مجلس الامن ان تتدخل في حق الولايات المتحدة في التدخل العسكري خارج حدودها. ويستمر التصعيد.

فهل يمكن ان يمر ذلك بدون عقاب؟ عقاب اقله السعي لابعاد هذا الخط عن الحكم في فرنسا والمجيء بخط  قابل للتبعية الاميركية متحالف مع اسرائيل. خط لن يكون بعيدا اذا ما اصبح ساركوزي مرشحا عن اليمين وشتروس كان او…. او هولاند مرشحا عن اليسار. وليجروء عندها وبعد كل اتهامات الاسامية اي مواطن او محلل سياسي  على القول بان المرشح الرئاسي يهودي مؤيد لاسرائيل.

من جهة اخرى ثمة حراك واضح في اوساط العرب والسود مؤيد للفلسطينيين، وان كان ما يزال ينقصه الكثير من التنظيم، لكنه واضح الخطورة على المدى البعيد، ولذلك لا بد من تشويهه، لا بد من عزله  ودفعه تحت ضغط الاتهام بالاسامية الى اثبات العكس او على الاقل الى الخوف من التعبير الصريح.

3 – الا تعتقدين ان هناك تحولا يتمثلفي الموقف من سوريا ومن التقرب من اسرائيل؟

اعتقد ان  المجموعة اليمينية  تحاول فعلا تخفيف الضغط عنها،وهي بحاجة لذلك مع اقتراب الانتخابات، ومع بعض التحولات على الساحة الاووروبية نفسها. لكن العنصر الاهم الذي يدفعها الى ذلك هو المواقف العربية الرسمية التي تتفرج على استشراس الاميركيين واليهود ضد خط شيراك ولا تفعل شيئا. اهو ذنبهم ان كل من ناصرنا خرج خاسرا لاننا نقف مع عدونا ضده؟

هل قدم وزير من وزرائنا الخطاب الذي قدمه دومينيك دو فيللوبان في الامم المتحدة؟ انريد لهم ان يكونوا استشهاديين لاجلنا؟ اعرف انهم يفعلون ما يرونه مصلحة بلادهم وهذا طبيعي فالعلاقات الدولية علاقات مصالح. اين مصلحتنا نحن كعرب؟

غير ان ما لا افهمه واستهجنه بصراحة هو الموقف الفرنسي من سوريا، اخر البوابات الديبلوماسية  الممكنة؟

هل ندمت فرنسا على معاندتها واشنطن في الشان العراقي فجاءت تعوض في الشان السوري، وتسترضي بذلك اسرائيل ايضا؟

هنا ايضا لا صوت عربيا ينبه الى الخطورة.

4- ماذا عن التعايش وابعاد الحوادث؟

اليهود في فرنسا يشكلون لوبي قوي لا يقل عن  مثيله في اميركا  وان كان الحديث عنه غير علني كما هوالامر في واشنطن.

هذا الواقع اقر،بل وتبجح به الكاتب اليهودي موريس صفران في مقال بعنوان ” اليس من مجال لتجنب القطيعة بين يهود فرنسا ورؤساء الجمهورية الخامسة؟ ” في مجلة الاكسبرس عام 1991 صفران فند مواقع قوة هذا اللوبي، ودوره في اسقاط رؤساء الجمهورية الخامسة واحدا اثر الاخر، بدءا من شارل ديغول.واستعمل الكاتب هذا العرض لتهيد ميتران يومها، كي يحسم امره بشان الالتحاق بالولايات المتحدة في الحرب على العراق.

ميتران عاد فاسر الى مستشاريه بما فبهم اليهود بطغيان هذا اللوبي، وذاك ما نشر في كتاب وعدة مقالات. ليلتحق بذلك بما كان قد صرح به شارل ديغول قبل عقود.هذا اللوبي المنتشر على اعلى المستويات في الاعلام، في الجامعات، في مراكز الابحاث، في دور النشر، في المصارف  واسواق المال، في صناعات الازياء والعطور ومواد التجميل، في القطاع الطبي. يوازي  ويحمي مجموعة من تنظيمات الشباب التي تمارس العتف: تضرب  وتحطم وتدمي ( كما حصل مؤخرا في حفل توقيع متاب للكاتب الان سورال )  و معظم هؤلاء يتحدرون من اصول عربية مغاربية او من اوروبا الشرقية. وجميعهم يتمتعون بالجنسية المزدوجة.

اما التعايش فانه ممكن وسهل في دولة علمانية، هذا اذا كان الناس علمانيين او على الاقل يحترم واحدهم الاخر  ولا ينظر اليه باستعلاء او عداء.

هل يمكن مثلا لعربي ان يرفض ناعوم تشومسكي او سيرج حاليمي او من ماثلهما من اليهود غير الصهاينة؟

ولكن الا يتعرض هؤلاء لهجوم اليهود الصهاينة كما نتعرض نحن؟ الم تكن كتب نعوم تشومسكي حتى وقت قريب  شبه ممنوعة في فرنسا بسبب مواقفه من الصهيونية ومن حركة المراجعة التاريخية ومن السياسات الاميركية؟

5- الحجاب

اولا وقبل الاجابة على سؤالك اسمح لي بان احدد السياق، واطر التحليل. انا لااتعاطى مع قضية الحجاب من زاوية دينية شرعية،  اولا لانني لست  فقيها ولا  مؤهلة للفتوى، وثانيا لان هذه القضية هي ابعد ما تكون عن القضية الدينية. انها قضية سياسية بامتياز، ولعبة سياسية بامتياز. وقد كتبت ذلك من اليوم الاول لاندلاعها،  وتعمدت ان اكتبه في صحيفة السبيل الاسلامية وفي الخليج والدستور، بقصد التنبيه.

في الامور  السياسية تقاس الاحداث بالنتائج.  ولنبدا من البداية. جاك شيراك تمكن من التحرك بحرية كبرى  على صعيد السياسة الخارجية والداخلية لانه جاء الى سدة الرئاسة هذه المرة باغلبية لم سبق ان حققها اي رئيس في الجمهورية الخامسة. وهذا ما منحه هامشا استثنائيا للتحرك.

تحرك  اتجه نحو ترسيخ الاستقلالية الاوروبية وترجم بعدة مواقف منها على وجه الخصوص العراق وقضية الشرق الاوسط. وهذا ماازعج الاميركيين واللوبي المؤيد لاسرائيل في فرنسا اضافة الى اليسار.

العنصر الرئيسي الذي امن له هذه الاغلبية هو الصوت العربي الذي انتقل من سلة اليسار الاشتراكي  بعد المواقف التي اتخذها هذا اليسار وعلى راسه ليونيل جوسبان من القضية الفلسطينية ومن المقاومة اللبنانية، والمواقف المعاكسة التي اتخذها شيراك وفريقه.  لدرجة ان احد المراقبين كتب ان زيارتين قد حسمتا الموقف: زيارة شيراك الى القدس وزيارة جوسبان الى بير زيت. طبعا هذا قول مجازي لان الامر يتعلق بخط سياسي متواصل.

اذن فان ضرب  هذا الخط السياسي، يعني ضرب الاغلبية التي تمتع بها، اي نجريده من الكتل التي منحته اياها، وبالتالي سحب الصوت العربي الاسلامي من يده.  هذا الامر كان صعبا بل ومستحيلا  على الصعيد السياسي، طالما ان المعطيات السياسية ماتزال هي هي، بل وانها تتحرك اكثر لصالحه. اذن فالحل الامثل كان اختلاق قضية اجتماعية تفيد من اوتار الحساسية لدى الطرفين: الفرنسي والاسلامي  لخلق شرخ بينهما يضرب مصلحتهما معا  وتصب في صالح الكتلة المعادية. الفريقان سقطا في الشرك، شيراك وحكومته من جهة والشارع المسلم من جهة.

اليسار الاشتراكي القريب من الاميركيين والصهاينة استفاد من الامر  وبذل جهده لرفع الرغوة، لا تكاد تهدا الا ويخضها.

اما في اليمين فلندخل في تفصيلة مهمة: نيقولا ساركوزي كان وزيرا للداخلية، وهو الذي نسب باقرار المنع، ثم كان هو من سهل مظاهرات ستراسبورغ وباريس ضد القرار. ساركوزي اليوم عدو الخط الشيرالكي داخل اليمين، لكن الظروف هيئت كلها لتفرضه على الرئيس، وقد رايناه يبدا نشاطه نحو الاليزيه بزيارات متكررة للولايات المتحدة بداها بالاجتماع بالايباك ( اللوبي اليهودي )  وبالاعلان عن نيته فك التحالف مع المانيا وروسيا والاتجاه نحو ايطاليا.

المسلمون، اغلبهم سقطوا ايضا في الشرك واعتبروا القضية مسالة اعتراف وحرية راي ومعتقد،  مسالة هوية ووجود ثقافي.

ليجد الجميع انفسهم امام اسئلة لا جواب شافياعليها:

اوليس من باب حرية الراي في بلد الحريات ان يعبر كل مواطن عن نفسه وعن قناعاته وايمانه كما يريد؟ ولكن: اليس من حق دولة علمانية ان تحول دون ان ياتي الطلاب الىالمدارس بالكيبا والقبعات والمعاطف السوداء والجدائل الطويلة والسلاسل ذات الدلالة على الخصر ( كما هو مظهر الطلاب اليهود المتدينين ) او بالاشارات المسيحية المبالغ بها، او بالحجاب؟ ثم اليس من حق دولة اصبحت لسبب او لاخر تضم اوسع حالة من التعددية الدينية والثقافية والاتنية ان تحاول تامين السلام الاجتماعي عبر  صهر ذلك في بوتقة العلمانية.

وهذا يقودنا الىالملاحظة التالية:

ان نص  القانون الفرنسي تناول ” الرموز الدينية البارزة ” على حد تعبيره، وليس ” الحجاب”   فلماذا  ركز الاعلام على الحجاب وحده؟

اخيرا: تقول ان بعض المثقفين يحاول تلخيص ارتداء الحجاب بانه خضوع لارادةالرجل. هذا صحيح، ولكن هل هذه هي حملة التشويه الوحيدة التي تتعرض لها ثقافتنا العربية الاسلامية؟

 

ان المثقفثين المعادين لنا لا يعدمون فرصة او وسيلة لرسم وجوهنا بملامح الشيطان، والتخلف و موضوعة المراة هي من اكثر المواضيع التي تستعمل لتحقيق هذا التشويه. انعترف انها تستند الى شيء من الواقع وكثير من التهويل والقصدية. الغرب باعلامه ومثقفيه مستعدون لترويج اية صورة سلبية للمراة العربية وللتعتيم على كل النماذج السلبية والحالات الريادية والمتقدمة في مجتمعاتنا. لاعطيك مثالا: قبل فترة شاركت في ندوة في معهد العالم العربي عن الاعلام العربي، لافاجا بان الورقة التي تناولت المراة، وقدمتها الباحثة الانكليزية ناعومي صكر تركز في ثلثيها على قصة المذيعة السعودية التي ضربها زوجها. وعندما قدمت مداخلتي حول تاريخ المراة في الاعلام العربي، وسالت لماذا  يريد هذا الغرب ان يصور كل رجالنا على هيئة بن لادن وكل نسائنا بصورة هذه السعودية التي ضربها زوجها؟ قالت لي الباحثة ان هذه الثورة هي ما رسمتها لهاالنلاعلاميات العربيات اللواتي قابلتهن، وسردت لي اسماء ليس لها في حقيقة التجربة الاعلامية اكثر مما لي في الرقص الهندي.

انا لا اقول ان النموذج السلبي غير واقعي لكنني اقول ان هناك نموذجا اخر متقدما حتى عن كثير من المجتمعات الغربية لكن  رسامو الشيطان لا يريدون تسليط الضوء عليه.

من بديهيات الاصلاح انه يتحقق بابراز النماذج الايجابية، و تعديل السلبية، وتاريخنا وواقعنا مليء بالاولى، ومليء ايضا بالثانية.

انت تسالني عن المثقفين الغربيين المعادين ( لان هناك من هم موضوعيين ومتعاطفين معنا ) وانا اسالك عن المثقفين العرب، خاصة اولئك الذين يعيشون في الغرب: الا يتوزع معظمهم على خطين: خط يقدم بذاته صورة سلبية ومتخلفة، وخط يحسن بخبث غير عادي قراءة شروط تذكرة المرور التي صممتها دوائر النفوذ المعادي، ويقدم خطابه استجابة لنداء هذه المراكز كي يصل الى التمويل والجوائز والمنافع والاعتراف؟

اسالك عمن يمد لنا يده نحن الذين نقف خارج الخطين ولا نريد شيئا الا تقديم الوجه الايجابي والسعي لتصحيح الوجه السلبي؟

لقد حاولت عبثا الحصول على منحة لتمويل دراساتي الاعلامية في فرنسا، وكنت افاجا بعشرات العروض التي تطلب مني تغيير الموضوع، اوتقترح علي ان ابحث في موضوع الجندر لينفتح فم الجرة ( حتى في اليونسكو!!)

ممثلة احدى المنظمات قالت لي في البداية: امراة وعربية هذا كاف لتحصلي على كل التعاون،  لكنني  وجدتني لا املك الا ان ارفض كل شيء عندما عرفت الشروط، بل وان اكتب في زاويتي عن القضية، واثير ازمة. خاصة وانهم  لم يعدموا  امراة عربية  تقبل بما رفضت.

اسالك: ما الذي نفعله  لتصحيح الصورة المشوهة التي ترسم لوجوهنا، قبل  سبتمبر وبعده ؟   كحكومات، كافراد، كمنظمات غير حكومية، كوسائل اعلام، كهيئات ديبلوماسية…كجامعة عربية؟  الا يقودنا مجرد هذا التعداد الى التامل والمرارة…المرارة امام حالة لا تجد فيها الا الاهمال،  التخلي  او التامر.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون