شعر بالرضا، بنوع من الأمان، كلما سمعنا عن تدبير لمكافحة الإرهاب في العالم. منذ أشهر كرت السبحة، بيروت ألقت القبض على الماجد، جريدة “حرييت” التركية تتحدث عن القاء القبض على شاحنة صواريخ وذخائر موجهة إلى إرهابيين في سوريا، لوران فابيوس يقول إن الجماعات المسلحة تعرقل أي حل سياسي في سوريا، بريطانيا تمنع عودة الارهابيين، وبعدها هولندا، بلجيكا تبرز أبناءها العائدين على شاشاتها وصحفها ليرووا تجربتهم، ولا تتورع بعض مراكز الدراسات فيها عن مقارنة المؤسسات التي تستقطب هؤلاء بالجمعيات الصهيونية التي كانت ترحل المهاجرين اليهود الأوائل إلى فلسطين. وأخيراً قصر الاليزيه يصدر بياناً يعلن “تبني استراتيجية وإقرار خطة عمل” “لمكافحة الإرهاب والأصولية العنفية” بحسب تعبير البيان خاصة ما يتعلق بالتجنيد باتجاه سوريا. هذا التدبير كان وزير الداخلية قد وعد به منذ آخر يناير/كانون الثاني الماضي، وجاء فيه أمس الأول أن مضمون الخطة سيكشف عنه لاحقاً. لم ينس البيان أن يتحدث عن الجمعيات التي تدعى انها خيرية وتعمل على تجنيد الاصوليين وإرسالهم إلى سوريا. مئتان وخمسون إرهابياً ذهبوا، تقول وزارة الداخلية، قتل منهم خمسة وعشرون. وآخرون القي القبض عليهم.
غيض من فيض فيما يسمى الحرب العالمية على الارهاب. لكن الإرهاب ما يزال يضرب، في بلاد العرب أوطاني، وهو لا يفعل إلا إذا وجد غذاء ملكات النحل: سلاحاً وتمويلاً وتسهيلات. فكيف نفهم؟
أهو حجب الشمس بغربال أم هو حقيقة حرب، أهم ستراتيجياتها ضرب الفخار كي يكسر بعضه، ويبقى الفاخوري سالماً متفرجاً؟ أهي سياسة المصفاة: اذهبوا جميعاً إلى البؤرة العربية، السورية بالدرجة الأولى، ولا بأس بعدها من الانتقال إلى لبنان، مروراً بساحات أخرى أقل اكتظاظاً، أو أكثر اكتفاء ذاتياً. اذهبوا لتقتلوا وتقتلوا، لتدمروا وتدمروا، وبالتالي تصبح الأرض خراباً لا تنبت فيها إلا الأحقاد والكراهية والتشظي.
في توراة اليهود آية تقول إن اليهود راحوا يصفقون بأيديهم، ويطبلون بأرجلهم عند دمار عمون، ومثلها تتكرر الرواية عند خراب مؤاب وآرام. فكيف يمكن أن نتخيل حالهم اليوم لخراب دمشق وبغداد وإلى حد ما قاهرة المعز؟ وفي الاستراتيجيات السياسية أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ آخر خطاب حول حال الأمة عن تحول الولايات المتحدة من الحرب العسكرية إلى الحرب الناعمة، فهذه أقل تكلفة وأكثر ضماناً للنتائج. وفي ذلك انتقال إلى حرب الأجهزة السرية، ولكن أيضاً تطبيق لنظرية التدمير الذاتي، فلماذا ننفق على تدميرهم طالما أنهم مستعدون لتدمير بعضهم بعضاً. تدمير ذاتي لا يخلق مقاومة ضد العدو، بل يجعل من كل أخ عدواً، ولا عودة إلى طبيعة الحياة ونسيجها إلا بعد الفناء، فناء الجميع وربما لأجيال.
سقطت يبرود والحصن في يد الجيش السوري، لكن الهاربين انتقلوا إلى لبنان، اشتعلت اكثر طرابلس وعرسال والطريق الجديدة، وغداً… من يعلم؟
بعضهم يتوقع استمرار الاشتعال لسنوات، ويستدل بأن مجرد محاولة البعض تهدئة الوضع جزئياً، جعلت قيادات المحاور المسلحة يكشرون عن أنيابهم ويهددون هذا البعض بالتصفية الجسدية مقرونة بقسم معظم.
وهنا يشتعل السؤال: من يموّل هؤلاء؟ يبدو أن هناك اكثر من جهة ومن ممول، معنى ذلك أمر خطير أن المعسكرات لم تعد 14 و8 آذار، لا ولا اصطفاف سني وآخر شيعي وثالث مسيحي إلخ. لقد بدأت هذه المعسكرات نفسها تتشظى من داخل، كما حصل خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وهل يمكن أن يبلغ هذا التشظي مؤسسات رسمية، أم أن الجيوش العربية (خاصة اللبناني والسوري) تجد نفسها بحكم الأمر الواقع، انصاعت إلى المطلب الأمريكي المعروف بتحويل عقيدتها القتالية من مواجهة “إسرائيل” إلى مكافحة الإرهاب؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ وإذا كان لبنان بعد سوريا، فماذا بعد لبنان؟