هذيان!!

صحيفة الدستور، 13-08-2005

حتى البنطال الطويل العادي لم يعد مريحا لانه يعيق الحركة، حتى الحذاء ذي الكعب العالي لم يعد مألوفا لانه يقيد الحرية، والمرأة ترتدي السواد حدادا على حبيب رحل بينما هي بعيدة في عمل يحاول التاثير في الحاضر واستقراء المستقبل، تجر حقائبها في المطار الاوروبي، في رحلة الالتحاق بعزاء العائلة الذي تخلفت عنه لانشغال بعمل.

هرولة، وتتعثر الحقائب، يقع الكومبيوتر النقال، يا الهي، هو الرفيق الاغلى، مذ اصبح من الممكن للمرء ان يحمل مكتبه معه حيث ذهب، ومذ اصبح وقت السفر وقتا نموذجيا للعمل.

ترفع وجهها متوترا، قلقا، ويواجهها الوجه الاخر : عينان ساحرتان، لكأن بين سواد البؤبؤ وبياض ما حوله عالم يتسع كذلك الاخر الممتد بين العين والحاجب،المس لاول مرة معنى الحور، مضافا الى انف دقيق اشم وابتسامة لا تحمل الا الى شعراء الجاهلية الكبار، فلتذهب كل الشقراوات الى الجحيم امام هذا السحر الحامل سره فيه.

سحر لا وجود الا لنقيضه المقرف في بقية المشهد : المرأة في عباءتها السوداء الطويلة وغطاء الراس المحكم – حسنا، طالما قلنا انه الزي الوطني ولا ضير منه – تجر وراءها عددا، قطيعا من البنات المتراوحات بين اول المراهقة والصبا – حسنا، وهل احلى من الامومة؟! الصغيرات يرتدين الالوان التي تهزا بالتناسق لصالح فواقع ربما فرجت عن كبت،

غير ان السواد يصر على تطويق الرأس، خليط غريب متنافر من تقليد وتغريب، من توق وخوف، من عدم التصالح لا مع الذات ولا مع الاخر، من كل ما تحمله نظرات زائغة هائمة فيما حولها تسأل عن الطريق.

لا ليست البلية هنا، البلية في الرجل الذي يقود قطيعه هذا من النساء المبعثرات بين كل شيءالا الحرية، الرجل شاب في الاربعين، اسمر حليق، يرتدي الجينز وفوقه القميص ذي المربعات الزرقاء يطلقها فوقه، ومن ثم سترة جميلة من الكتان الخفيف السبور، اما رأسه فيقابل الدانتيلا السوداء التي على راس زوجته بقبعة تحمل ماركة غربية معروفة، وينظر الى ماحوله فخورا من خلال نظارات ثمينة بدون اطار.

عاصفة من غضب تعبر الشرايين، ضد من؟ لا ادري؟ شيزوفرينيا، وعجز عن معالجتها. كيف يمكن لهذه الصحراء ان تجد لغة مشتركة؟ كيف يمكن لهذا المحيط العربي ان يرسم صورته، ان يهتدي الى ذاته؟ لا.

المراة تبتسم، والبنات ايضا، والرجل يفعل بتحفظ وثقة طاووسية، كلهم في رحلة العودة من باريس، لا شك ان حقائب التسوق التي تغص بكل شيء قد سبقتهم الى الشحن، كل شيء من ذاك الذي تريد اوروبا ان تبيعه لتبني نموها وحضارتها… لا بل وما اصبحت الصين ايضا تستعمل اسواق اوروبا لتبيعه وتدخل من خلاله عالم القوى العظمى، معيدة الى التوازن الى عالم فقد توازنه اذ وقف على ساق واحدة…. وربما لتصبح القوة العظمى القادمة.

ترى ماذا سيكون وضعنا نحن اذا ما اصبحت الصين القوة القادمة؟ اذا ما عاد التوازن الى العالم؟ الن نفقد توازننا الذي بنيناه على تبعية اصابتنا بكل هذه الشيزوفرينيا؟

الرجل الجالس الى يميني في الطائرة يعلق : امراة جميلة وحالة بشعة، الن تكتبي عنها شيئا؟

اساله ماذا يعمل فيجيبني انه موظف في احدى السفارات الخليجية.

الى يساري شابان لا يعبآن بشيء من كل ذلك، الاول يسأل : هل تفكر بالعودة الى لبنان ام ستحاول البقاء في اوروبا؟

– في البدء كنت احن الى العودة اما الان فلا اعتقد.

فضولي المتاصل يدفعني لان اسأله : متى كان ذلك البدء، ويجيبني : سنتان….

انه قادم من عاصمة كان شارون يصرح فيها قبل ايام بانه يدعو كل يهود العالم الى العودة الى اسرائيل.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون