حوارات علّوني

الربيع العربي، 25-12-2013

ثمة اسماء تتحول الى مفاتيح، تجعلها كذلك صدفة تاريخية، خاصة اذا تكررت. تيسير علوّني، مجرد صحافي بارز ذي خط اسلامي، هجر سوريا بعد معركة الاخوان المسلمين مع حافظ الاسد.

لكن ما جعل علّوني بارزا هو ارتباط اسمه بالحوار الاول مع اسامة بن لادن. بعدها كانت حرب افغانستان، وكان تيسير علوني من يغطي تلك الحرب حتى انهار على راسه سقف مكتب كابول، فاستدعي، ليدخل وضاح خنفر، المراسل الاسلامي الاخر مع تحالف الشمال الى العاصمة الافغانية، وينشىء مكتبا جديدا حديثا ويقيم علاقات طيبة مع الاميركيين.

تاتي حرب العراق عام 2003 فيرسل تيسير علّوني الى بغداد لينهار على راسه المكتب فيستدعى ويدخل وضاح خنفر من الشمال الكردي، فينشىء مكتبا جديدا حديثا ويجري اول حوار مع بول بريمر، بعدها يعين خنفر مديرا للجزيرة بعد اقالة محمد جاسم العلي بتهمة التقارب مع صدام حسين.

تيسير علوّني ارسل ليلقى مصيره في محاكمة اسبانية بتهمة الارهاب والتخابر مع منظمات اسلامية ارهابية في اكثر من بلد منها الجزائر. فتؤمن له الجزيرة الدعم، وينتهي بحكم حوّل السجن الى الاقامة الجبرية.

تكمن اهمية هذا الحدث في ظروف اجراء وبث حديث علوّني الشهير مع اسامة بن لادن. فالحديث اجري  في 21 اكتوبر عام 2001 غير  ان الجزيرة لم تبثه بل انكرت وجوده عندما المحت اليه الصحافة، وبعد فترة ( في31 يناير 2002 ) بثت سي ان ان مقاطع منه، مما اثار جدلا اضطر الجزيرة للاعتراف بوجوده وللرد ببيان اصدرته في في 1 شباط 2002، بأنّ امتناعها عن بثّه كان بسبب الظروف غير المهنيّة التي تمّت فيها المقابلة او بسبب عدم اهميته. رغم ذلك كان على المحطّة القطريّة أن تنتظر حتّى عام 2004 لتبثّ المُقابلة مساءا بعد أن أعلن كولن باول خلال نهار اليوم ذاته أنّ الجزيرة ستبُثُّ “هذا المساء” شريطاً جديداً لبن لادن. وكان ذلك عشية انتخابات الرئاسة الاميركية.

اتُّهمت الجزيرة بأنّها سلّمت الفيديو فور جهوزه لل سي آي إيه التي مرّرت مقاطع منه لسي إن إن وانتظرت اللحظة المناسبة لتسمح للجزيرة ببثّه. تتالت أشرطة الفيديو  لبن لادن والظواهري لتتوالى معها الإتهامات التي رد عليها وضاح خنفر في مقابلة مع جريدة الرأي الاردنية بتاريخ 22 نوفمبر2004 قائلا: ” لا أعرف كيف تصلُ أشرطة الفيديو للأميريكيّين، إنّهُم موجودون، ونحنُ نستعملُ وسائل معلوماتيّة مفتوحة لكُلّ العالم. الجزيرة لم تُسلّم أشرطة فيديو لأميريكيّين”

لن نقول ان التاريخ يعيد نفسه، ولكن لا يمكن ارتضاء السذاجة حد الايمان بالمصادفات التاريخية في صراع بحجم صراعات الشرق الاوسط، من افغانستان الى بيروت مرورا بكل المحطات التي تقرر مصير العالم ومنه مصير الهيمنة الاميركية دوليا والهيمنة المتنازع عليها اقليميا. خاصة ونحن نقف في سراديب جنيف 2. واذ نقول سراديب فلان مؤتمر جنيف 2 قد بدا منذ فترة ليست بالوجيزة، وهو مستمر في عمليات عض اصابع تحت الغطاء وترتيبات سرية لن تكون الطاولة الا الحفل الختامي لفعالياتها.  فعاليات لا تخرج عنها مقابلة الجولاني مع تيسير علوني على الجزيرة.

فقطر تريد مكانها بين كراسي المعارضة، الى جانب السعودية وتركيا. والاميركيون يريدون رفع منسوب حصتهم وكلهم يتنازعون صفا واحدا بينما تتربع روسيا وايران والدولة السورية بامان وتنسيق على الجهة الاخرى من الطاولة. غير ان  لافروف لا يكتفي بحصته بل يعمل بشكل حثيث على التسلل الى تقاسم الجهة الاخرى من الطاولة ويصرح بانه على تواصل مع اطراف من المعارضة. انها ببساطة حسبة صغيرة، نصف محسوم امره، نصف اخر يتنازع عليها الجميع، وذاك ما يزيد من حدة الصراع بدءا من ساحة السلاح والتفجيرات الارهابية الى ساحة الاعلام ومنه القنوات الفضائية.

اما ما يحدد حسم امر الجهة الاخرى فهو الاتفاق او عدم الاتفاق على مكافحة الارهاب. فهل يتحقق ما تريده روسيا من جمع النظام السوري بجيشه وامنه وحلفائه مع اطياف من المعارضة في كتلة تتحالف مع كتلة شرقية واخرى غربية ضد الارهاب والتطرف؟ ام ينجح المتطرفون الاسلاميون في الاحتفاظ بدعم بعض الدول العربية وخاصة الخليجية وبتواطؤ واشنطن وبعض الدول الاوروبية وفي مقدمتها فرنسا؟ هل ستسود عقلية التخلص من المنظات الارهابية بسيف الجيش السوري ام ستتفوق عقلية ترك السوريين والارهابيين يقتلون ويدمرون بعضهم بعضا حد القضاء على الطرفين؟ سؤال طرح منذ بداية الازمة ( وطرحناه في هذه الزاوية في الخيج بمقال بعنوان: المصفاة عام 2011) وكان الحديث يومها انه سينتظر حد انهاك الطرفين للوصول الى حل. وها هم قد انهكوا. فهل المطلوب اكثر من الانهاك ؟ التدمير؟ هل المطلوب حال ما بعد حوارات علّوني في كابول وبغداد ولكن بدون تدخل مباشر هذه المرة، طالما ان التدمير الذاتي اقل كلفة؟ ام ان تقدم الجيش السوري على الارض سيفرض تداعيا الى الطاولة وبحثا عن مقعد عليها بكل الوسائل؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون