من مجلس النواب والثقة التي لم تنل الا على وقع السجال الحاد حول عودة العملاء اللبنانيين من اسرائيل الى دمشق.
اقرار واضح بان السياسة اللبنانية لا يمكن ان تقفز فوق البوابة السورية. اما كيف يتم عبور هذه البوابة فذاك امر اخر.
هل يعبرها رئيس الوزراء مسمى من سوريا؟ ام يعبرها ممثلا لاكثرية نيابية تعارض عاصمة الامويين؟
الامر على ما يبدو سيان في الحالين، ففؤاد السنيورة الراكب في سيارة الرئاسة الثالثة عابرا المصنع ليس الا رفيق الحريري الذي كان يعبرها بالامس في السيارة ذاتها. اذ لم يكن الرجل يوما الا امينا مسؤولا ماليا في استثمارات رجل الاعمال ومن ثم وزير مالية هذا الاخير عندما حملته الاعمال الى السياسة فحكم البلد.
وبالرغم من كل ما يقال من ان رئيس الوزراء اللبناني ذاهب الى دمشق لتنظيم امور العلاقة بين البلدين من منطلق الند للند، فان هذا المسعى ليس الا المسعى العاقل الذي يكرس الاعتراف بان الامر يتجاوز النظام السوري الحالي او الحكم اللبناني، الاعتراف بان القفز فوق التاريخ والجغرافيا امر مستحيل مهما تصاعدت رغوات الصابون، ومهما كانت السلاسل والحبال التي تربط الاقدام والاذرع والاذان الى اطراف اخرى.
ارتكبت سوريا اخطاء في ادارة وجودها في لبنان. صحيح، لكن ذلك لن يعني ابدا ان العودة الى 1975 امر يقبله أي عاقل، او أي رجل يجد نفسه وقد لجأ الى وسادته وعلى كتفيه مسؤولية البلد.
عودة لم يكن طرح مسألة القبول بعودة العملاء اللحديين الذين لجأوا الى اسرائيل الا محاولة لفرض اجوائها. وليس من الغريب ان تصدر هذه الدعوة بعد حدثين : الاول زيارة كونداليزا رايس الى لبنان، والثاني خروج سمير جعجع من السجن.حيث ان زيارة رايس حملت مؤشرا ملفتا جدا وهو تليين الموقف الاميركي بخصوص سلاح المقاومة، نتيجة للمد الشعبي الذي عبر عن تأييده لها من الشارع الى صناديق الاقتراع. وحيث بدا وكان العفو عن المجرم الاكبر يمكن ان يبرر العفو عن المجرمين الاخرين. فسمير جعجع مدان رسميا بقتل رئيس وزراء هو من ابرز رجال الدولة اللبنانية واكثرهم احتراما، وبقتل وزير مع اسرته، اضافة الى الاف المواطنين، وها هو يخرج من السجن كزعيم، لتبلغ الوقاحة والغباء حد تشبيه البعض له بمانديلا.
غير ان صدور الدعوة عن جماعة ميشال عون الذين يسجلون عداء دمويا مع القوات اللبنانية، كما يسجلون علاقة نسجت خلال سنوات المنفى مع الاميركيين، انما يأتي ليعبر عن امرين : الاول داخلي وهو ان عون يريد ان يسجل سبقا على القوات في الشارع المسيحي، بعد ان استقوت هذه بخروج رئيسها، وبعد ان برز تحالفها مع امين الجميل من اللحظة الاولى حيث كان الرئيس السابق اول من زار زعيم الميليشيا الخارج من السجن.
الثاني خارجي وهو الاهم، وهو ان اميركا واسرائيل، قد وجدتا ان فتح جبهة نزع سلاح المقاومة في لبنان سيعني فتح بركان عسكرى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بين جبهة تضم المقاومة والالتفاف الشعبي الكبير حولها، وبين جبهة اخرى لن تضم الا العملاء المكشوفين لان جهات كثيرة اخرى ممن تسمح لنفسها بالتهجمات السياسية لا يمكنها المضي حد الانخراط في العنف، وبشكل خاص السنة والدروز. هذا في الوقت الذي لا تريد فيه واشنطن باي شكل اضافة قطرة واحدة الى الكأس العراقي الذي طفح وزاد. لذا قررتا على ما يبدو اللجوء الى اساليب اخرى، فجاءت المحاولة الاولى لاثارة الفتنة بين السنة والشيعة عبر التهديد الذي صدر عمن اعطوا انفسهم صفة القاعدة باغتيال مراجع شيعية في لبنان. وجاءت القنبلة الثانية بطرح اعادة العملاء. وذاك كله ايضا قبل زيارة السنيورة الى دمشق. فهل ستكون الزيارة ترجمة لوعي حقيقي بالمؤامرة الكبرى التي تحمل مئة رأس كحيوان الهيدرا الاسطوري؟ ام ستكون ترجمة لمحاولة الاستفادة من الضغوط لاضافة ضغوط اخرى على دمشق؟
دمشق التي لا تبدو يدها فارغة من الاوراق، اوراق تضيف اليها الزيارة شهادة براءة من دم الحريري؟