مرة جعلونا عبيدا لالمانيا النازية، وقاتل اولادنا لمصالحها ثم هزمنا معها، والان يجعلوننا عبيدا نقاتل لخدمة الولايات المتحدة الاميركية واحقاق مصالحها في العراق والعالم العر بي بل والعالم. بهذه العبارات يحتج ناشطا ايطالي على وجود قوات بلاده في العراق، لكن ناشطا اخر يرد عليه بقوة : لا ليس اولادنا ضحايا او عبيدا مرغمين، وذلك لان الخدمة في القوات الذاهبة الى العراق هي خدمة اختيارية طوعية، وهؤلاء الذين اختاروا الذهاب الى الناصرية لم يفعلوا الا طمعا في الاجور المجزية التي تدفع لهم، او تنفيسا لحقد عنصري يحملونه على العرب والمسلمين.
بذا يطرح الجدل الاخلاقي حول مسالة الجنود المشاركين في الاحتلال على العراق، وما اذا كان استهداف الجندي الاوروبي او الياباني اقل مشروعية من استهداف الجندي الاميركي. جدل قد يبدو غريبا وغير ذي معنى لدينا على الساحة العربية، ولكنه يصبح مطروحا اذا ما عبرنا الى الساحات الاخرى خاصة تلك التي يشارك ابناؤها في الاحتلال.وهنا يبدو لبعض النشطاء ان اجتذاب الناس لدعم المقاومة قد يقتضي ديبلوماسية ما تميز الاميركي عن الاخرين، لعدة اهداف منها استثارة الراي العام في الدول المعنية للضغط في اتجاه سحب قواتها من العراق، كما فعلت اسبانيا، او كما يعد رومانو برودي ان يفعل اذا ما ربح معركة الرئاسة الايطالية.
لكن ما يبدو اكثر منطقية وربما اكثر تاثيرا، هو اللجوء الى المنطق المباشر، بالقول اننا بلاد وقعت تحت الاحتلال، هي لم تحارب ولم تذهب الى احد، بل جاءها الاخرون محتلين، ولذا فان محاربة هذا الاحتلال ليست ترفا ولا خيارا من بين خيارات متاحة، ان هي الا الخيار الوحيد – الفرق بين البقاء او الفناء، ومن هنا فهي لا تملك ترف التمييز بين جندي واخر. من جهة ثانية ثمة حقيقة اخرى في عملية الجدل هذه وهي ان المعركة الدائرة في العراق، ليست معركة العراق بحد ذاته وانما هي معركة الامبراطورية الاميركية للهيمنة على العالم، وهي هيمنة بات من المؤكد انها تخوض في العراق معركتها المفصلية، الحياة او الموت، استتباب الامبراطورية وانتهاء اية مقاومة لها، في الامد المنظور على الاقل، او نهاية الامبر اطورية وعودة العالم الى حالة جديدة من التوازن الدولي وتعدد مراكز القوى.
من هنا فان الجندي الاميركي اذ يقاتل هناك، فانما يخوض معركة امبراطوريته، بلاده، في حين ان الجنود الاخرين هم في الواقع عبيد صغار لا يقاتلون الا لخدمة امبراطورية لن تكون بلدانهم بمناى عن هيمنتها، ولخدمة مراكز احتكارات مالية ولوبيهات في بلادهم او في سواها لا تفعل الا ان تمتص دماء شعوبها، وهم انما يفعلون ذلك الدور القذر طمعا ببعض نقود ليس الا. اوليس القاتل المأجور والحال هذه اسوا من القاتل المدفوع بعوامل اخرى ؟ وهل من مجال للحديث عن ديبلوماسية ما، عن رحمة ما، بمن جاء قاتلا وكفى ؟ واما التفكير بالوسيلة المثلى لدعم القوى الشعبية الشريفة التي تناضل لسحب قوات بلادها من بلادك، فانما يقود الى امر واحد هو انه كلما ازداد ضغط المقاومة ونجاحها، كلما سهلت مهمة الذين يريدون دعمها. فهؤلاء الذين جاؤوا طمعا لن يذهبوا الا خوفا واضطرارا.