قانون محاسبة مصر !!…

صحيفة الدستور، 22-12-2005

اهي من باب المفارقة المصادفة ان تترافق زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى مصر، مع تصويت الكونغرس الاميركي على قرار شديد اللهجة ضد مصر ؟ وهل تكتمل المفارقة عندما يكون النائبان اللذان قدما مشروع القرار هما اليانا روس وجاري ايكرمان، وكلاهما من المجموعة التي رتبت قانون محاسبة سوريا، كما ان روس هي التي نظمت في الكونغرس الاميركي نشاطات اللبنانيين المعادين لسوريا بعد 11 ايلول. وكانت وراء النشاط الحثيث لادراج حزب الله على قائمة المنظمات الارهابية. وهل لاحد ان يتهمنا بالهاجسية عندما ننتبه الى ان روس وايكرمان هما يهوديان صهيونيان متشددان ؟ هل يمكن الا يذكرنا ذلك بعنوان معاريف خلال الحرب على العراق : اليوم العراق وغدا سوريا والسعودية، اما مصر فهديتنا الكبرى ؟

التكتيك الاميركي بالنسبة للاهداف الثلاثة الاخيرة، يختلف بالطبع عن ذلك الذي اتبع في العراق. فاذا كانت القوة والعناد العراقيين قد استحقا حربا اميركية عسكرية دفعت الولايات المتحدة وما تزال تدفع ثمنها غاليا، فان ما بعد سقوط الجدار الاستنادي لم يعد يقتضي الحرب وانما تتحقق الفائدة الاقل تكلفة بالضغوط السياسية والاقتصادية. ضغوط لا تكتفي الولايات المتحدة بان يكون من يمارسها هو واشنطن وحلفاؤها الغربيون، وانما تحتاج لها، واستكمالا لعملية الخنق الى ايد عربية تساهم في الضغط على العنق، الى تحويل الانظمة العربية الى عصي بيد الانكل سام او الانكل يهوه، يضرب بكل منها راس الاخر. وبما ان الدور الان هو على سوريا فان المطلوب من مصر ان تتجاوز دور السمسار الاقليمي الى دور اشد قساوة واكثر حماسا في الضغط على عاصمة الامويين. وهذا ما يتأمن بشكل نموذجي عبر تشديد الضغوط على نظام حسني مبارك، بحيث تشكل هذه الضغوط، اضافة الى دورها المرسوم حاليا ضد سوريا والفلسطينيين والعراقيين، تمهيدا لما يمكن ان يمارس ضد مصر نفسها في المستقبل.

النظام المصري مطالب اليوم، لقاء حياته، بلعب دور متعهد السياسة الاميركية، من مؤتمر ما سمي بالوفاق الوطني العراقي، والذي لم يكن في واقع الامر الا تهيئة الارض للعملية الانتخابية الاميركية في العراق، وانقاذا لجورج بوش الغارق في المستنقع العراقي، الى الادوار المعروفة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، والى النصائح والضغوط التي تمارس على بشار الاسد. والنظام المصري يفهم هذا المطلب ويسعى بكل جهد دؤوب الى تلبيته، لكن قادة سياسة الدولة الكبرى في العالم العربي، لا يتروون قليلا، لينظروا في وجه بشار الاسد، ويروا فيه وجه ابيه الذي وقف معهم في الطابور الاميركي في حفر الباطن انطلاقا من الحسابات نفسها، الحسابات التي توهم اصحابها بأن تقديم خدمات للاميركيين والصهاينة يمكن ان تغير شيئا في استراتيجية هؤلاء تجاه المنطقة.

الم يعتقد حافظ الاسد انه بموقفه ذاك انما ينقذ سوريا ؟ وها هي الصورة تكتمل، صورة الدور – الطابور الذي لا يحدد المواقع فيه الا من رسمه، ولا يقرب او يبعد موعد الاستحقاق الا انشغال هذا الرسام باستكمال المحطة السابقة. عندما سقط العراق جاء دور سوريا وعندما تسقط سوريا سيأتي دور السعودية ومصر. الم تكن الصحافة الاسرائيلية واضحة ومباشرة في رسم المخطط البياني ؟ غير ان ذلك كله لا يلغي حقيقتين وجوديتين : الاولى ان المخطط الاميركي الصهيوني انما يعبر الى تحقيق مآربه انطلاقا من نقاط الضعف التي رسخها النظام العربي وما يزال يفعل، والثانية ان العامل الوحيد الذي يمكن ان يقلب الطاولة هو مقاومة المخطط لا الاستسلام له، مقاومة تبدأ من معالجة هذه النقاط، وتنتقل الى مواجهة ترفض الانصياع الى الاميركي، ولعب دور العصا التي تكسر ظهر اهلها. فهل يستطيع نظام حسني مبارك او أي نظام عربي اخر ان يفهم ان التنازل للداخل هو السبيل الوحيد لعدم الاضطرار الى التنازل للخارج ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون