هل سينجح بشار الاسد في ان يجد في فلاديمير بوتين الحليف الذي كان ابوه يجده في النظام السوفييتي السابق ؟
صحيح ان معطيات كثيرة قد تغيرت على الصعيدين السياسي والايديولوجي، ولكن ثمة ما هو ابدا ثابت لا يتغير، انما هو المعطى الجيوبوليتيكي، حيث تتحكم الجغرافيا بالسياسة رغما عن الايديولوجيا. بل كثيرا ما توظف هذه الاخيرة لخدمة المصالح المرتبطة بالاول.
ليس الرئيس الروسي هو خروتشوف المتحمس لقضايا العالم الثالث، لكنه ايضا الرئيس المحاصر بالنفوذ الاميركي في الجمهوريات المحيطة، من اوكرانيا التي خسر فيها للتو معركة كسر العظم بينه وبين الغرب، وتحديدا الاميركيين، وحيث تحدثت الدوائر السياسية الاوروبية عن دور كبير لاسرائيل، بل وحتى لجهاز الموساد في دعم الرئيس الاوكراني الجديد. الى الشيشان التي لا يبتعد فيها التهديد الانفصالي عن الدائرة الاميركية، وتوسعا اكثر الى دائرة سائر الجمهوريات السوفييتية السابقة، ثم الى دائرة اقليمية، ليست افغانستان الرهان الوحيد الخاسر والخطير فيها، كما ان ايران المهددة ليست الرهان الوحيد المتبقي، بل قد يكون العراق القاعدة الاكثر خطورة بالنسبة للمصالح الروسية.
روسيا المحاصرة، عملت منذ سنوات على فتح النافذة الكبيرة على اوروبا عبر التحالف مع فرنسا شيراك والمانيا شرودر، لكم ثمة محاذير ثلاثة لابد من اخذها بعين الاعتبار: الاول انه ليس من المضمون بقاء المانيا في خط شرودر ولا فرنسا في خط شيراك، فالاثنان يخوضان بدورهما معركة شرسة مع خط الامركة الكاملة. والثاني ان لروسيا ايضا تناقضاتها المصلحية مع اوروبا، تناقضات قد يحيدها الحاجة للصمود بوجه الطوفان الاميركي، لكنها تبرز ما ان يهدا، او ما ان يغمر الارض. وثالثها، وهو الاهم، ان النافذة الاوروبية مهما اتسعت لا تغني موسكو باي حال عن البوابة الاسيوية، وهذا قدر الجغرافيا.
اسيا، اسيوات، ولكل منها ظروفها الخاصة، واهميتها الخاصة لبلاد القياصرة والشيوعية. واسيا العربية بموقعها وثرواتها، خاصة نفطها هي ساحة لا يمكن اخراجها من الحساب تحت اي ظرف. ساحة كانت حتى امس قريب مرتعا خصبا للتفوق السوفييتي، ولاحساس مودة وصداقة ازاء موسكو، لن يكون بامكان واشنطن ان تحصله ولو في الاحلام زد على ذاك ان وجود الاولى ارتبط بالصداقة والاحترام والدعم والروابط الشعبية، في حين يرتبط وجود الثانية بالحرب والموت والقمع، كما بالتعالي والاستغلال المادي والتحالف مع راس المال ضد الناس.
واذا كان الحلم الذي مثله التحالف مع السوفييت قد اصاب الناس بالاحباط لان الانظمة التي ادعته تحولت الى انظمة قمعية بامتياز، فان الحلم الاخرالذي حرك الناس وهو حلم الحرية لم يلبث ان سقط على حافة البسطار الاميركي ووهم الانظمة المتعاونة معه كما ان حلم الحياة الاستهلاكية الرخيصة لا يلبث ان يتحول بسرعة الى مرارة الاكثر ية امام اقلية مافيوية مسيطرة.
والسؤال الان: من الذي يستطيع ان يملأ هذا الفراغ على الصعيدين الداخلي والخارجي ؟
هل يمكن لعلاقات خاصة تستانف بين سوريا وروسيا ان تمد خطا وحيدا، خشبة نجاة من الطوفان الاميركي ؟
خطا قد يمنح روسيا فرصة الابقاء على موطىء قدم في العالم العربي،وعلى علاقات ما مع ايران، كما يمنح سوريا فرصة ايجاد معادل، متنفس امام الضغوط الاميركية الاسرائيلية ؟
هل يمكن ان يتحقق شيء من ذلك اذا لم تمض سوريا قدما في الاصلاحات الداخلية،واذا لم يتمكن بوتين من التحرر من النفوذ اليهودي، الذي جعل صحيفة مثل لوموند الفرنسية تتساءل بالامس عن سر تسرب جميع محادثات صفقات الاسلحة الى اسرائيل؟