في لغتنا العربية ثمة مشكلة في تصريف الافعال زمنيا، حيث لا صيغة للحاضر مفصولة عن المستقبل، فكلاهما مضارع. في حين ان لغات العالم الاخرى، على الاقل تلك التي نعرف، تميز بين الحاضر والمستقبل في صيغتين منفصلتين.
مع رأس السنة كان رؤساء العالم يتمنون لشعوبهم سنوات جديدة واعدين بقيادتهم الى ما هو افضل. وبشكل خاص تعمد الرئيس الفرنسي جاك شيراك ان يطلق على العام القادم لقب : عام المستقبل.
لم يكن يقصد المستقبل ببديهية الامور التي تعني الايام القادمة، وانما كان يعني مسالتين ستحددان فعلا مصير بلاده واوروبا والى حد ما العالم : القضية الاولى هي قضية الاستفتاء على الدستور الاوروبي، والقضية الثانية هي قضية الاصلاحات التي تشكل برنامج خط جاك شيراك و تقودها حكومته.
للوهلة الاولى يبدو ان هاتين القضيتين لا تخصاننا نحن في العالم العربي. لكن الواقع هو غير ذلك تماما، اذ ان مصير كل منهما سيحدد مصير السياسة الفرنسية والاوروبية ازاء الامركة، وازاء الصراع العربي الاسرائيلي، وازاء القضية العراقية وسائر القضايا العربية.
فالصراع الدولي الحقيقي لتثبيت الهيمنة الاميركية – الصهيونية الكاملة على العالم، انما يدور بشكل اساسي على الساحة الاوروبية. على هذه الساحة ثمة خطان يتصارعان بحدة وشراسة : خط الاستقلالية عن الولايات المتحدة، والسعي الى التوازن معها، ويقوده اوروبيا تحالف ثلاثي : شيراك – شرودر – بوتين، وخط اخر لا يتحفظ على الارتماء في ذيل التنورة الاميركية مقابل بعض المكاسب الانية وتقوده قوى معارضة لهؤلاء من مثل الحزب الاشتراكي في اليسار الفرنسي، وخط نيقولا ساركوزي في اليمين. وتجد هذه القوى حليفا قويا لها في بعض الدول الاوروبية خاصة تلك العائدة من المنظومة الاشتراكية، وفي اللوبيهات اليهودية المنتشرة على ساحات القارة العجوز، كما تجد دعما قويا من الولايات المتحدة نفسها. وخير دليل على ذلك صراع بوتين الشرس مع المافيات اليهودية ومع قوى الامركة، وجولات نيقولا ساركوزي الانتخابية التي انتقلت من الايباك الى البيت الابيض الى جولة في الولايات، الى مؤتمر هرتزليا في اسرائيل، فالى كندا حيث الاسر اليهودية الحاكمة والمتحكمة. ذاك في حين تشهد صفحات الصحف الفرنسية هجوما يوميا من قبل هذا النائب او ذاك الكاتب على شخص واداء دومينيك دو فيللوبان الذي يعتبر المنافس المقبل لنيقولا ساركوزي في صفوف اليمين، كما يمثل استمرارية الخط الشيراكي المار بالان جوبيه.
صراعات ستؤدي بعد سنتين، اما الى استمرار سياسة متوازنة تترجم بخطاب كذاك الذي القاه دوفيللوبان في مجلس الامن خلال الازمة العراقية، او بقرارت من مثل قرار فرانسوا ميتران المشاركة تحت الراية الاميركية في حرب عاصفة الصحراء. مما ادى الى استقالة وزير دفاعه جان بيير شفينمان، وانشقاقه عن الحزب الاشتراكي.