ذهاب واياب، عنوان الكتاب الذي صدر مؤخرا عن دار فلاماريون في باريس لايان هاليفي.
وهاليفي للذين لايعرفونه هو الرجل اليهودي الذي كان الى جانب ياسر عرفات منذ السبعينات، وعينه هذا الاخير بعد مقتل عصام السرطاوي مندوبا عن منظمة التحرير في الاشتراكية الدولية، ليسميه من ثم، وبعد العودة الى فلسطين وقيام السلطة، نائبا لوزير الخارجية.
الكتاب عبارة عن مذكرات اثر صاحبها ان يكتبها على شكل رواية ابطالها اثنان: الكاتب وشخص اخر اسمه فؤاد. لكن هاليفي لم يتاخر في ان يفصح في حديث صحفي ان فؤاد هذا ليس الا الوجه الاخر للكاتب نفسه. مما يجعل المرء يتساءل عن ماهية الازدواجية التي عبر عنها بهاتين الشخصيتين، اهي ازدواجية اليهودي بشكل عام بين انتمائه الى بيئة عاش فيها وانتمائه الى يهوديته؟ ام هي ازدواجيته هو اليهودي اليمني الذي هاجر الى فرنسا ومنها الى اسرائيل، ومن هذه الاخيرة الى صفوف فتح؟ وهل كان عليه في هذه الحالة ان يخلق اربع شخصيات معا؟ ام هي ازدواجية انتمائه الى الحالة الفلسطينية هو الذي يقول في كتابه: انا يهودي مئة بالمئة وعربي مئة بالمئة. وفي فرنسا كان الجميع يعاملونني كعربي يمني. والى الحالة الاسرائيلية وهو الذي يقول ايضا: عندما هاجرت الى اسرائيل كنت علمانيا وعدوا للصهيونية وكنت اؤمن ان الكيان الصهيوني الاستعماري هو كيان مصطنع، يجب تفكيكه وبناء مجتمع مختلط، لكنني انتهيت الى القناعة بوجود امة اسرائيلية يهودية، لا اشكك بمشروعيتها وحقها في البقاء والدفاع عن نفسها؟
ام هي اخيرا الازدواجية الرهيبة بين قوله بالامة اليهودية وبين تشديده على علمانيته المطلقة، المتجذرة في اسرته، بحيث ان امه عارضت بشدة ذهابه الى اسرائيل مستنكرة: وهل ستصبح صهيونيا؟
اما الازدواجية الاخيرة فتكمن في حديثه الطويل عن التعددية الفلسطينية، عن كون اصرار الرئيس عرفات على التعامل معه هو »مسالة مبدأ« ذ بحسب تعبيره ذ مبدأ يتلخص في ان ان الرؤية الفلسطينية بعيدة عن اية عنصرية. لذا اصر على تعيينه في منصب رغم كونه يهوديا، ولذا اصر على بقائه على طاولة المفاوضات رغم اعتراض الاسرائيليين عليه. غير ان هذا الحديث لا يقترن بالاشارة الى العنصرية الاسرائيلية المقابلة، بل ويؤدي الى التساؤل الجوهري: اوليس قوله هو بامة يهودية هو في صلب العنصرية؟
كتاب يحتاج الى اكثر من قراءة وصولا الى الاجابة عن سؤال مفاده: اهي بلبلة فكرية ما يعبر عنه الرجل، ام انه ابعد ما يكون عن البلبلة بحيث يعمل على بلبلة القارىء؟