ذنبهم ام ذنبنا؟

صحيفة الدستور، 16-04-2005

كلما عبرت من بلد اوروبي الى اخر ضربتني الكآبة لايام. كيف السبيل الى الخلاص من عذاب المقارنة؟ من تذكر جبران خليل جبران ونصه الكبير: مات اهلي. لم يكن اديب المهجر الاميركي اول الذين تعذبهم الحياة الحلوة لانها حياة الاخرين ولانها النقيض الحقيقي الكامل لحياة ناسهم . منذه وحتى نحن، منذ بداية القرن الماضي وحتى بداية القرن الحالي والى ما لا ندري، والحالة هي هي … نقارن ونتعذب، نحلم ونحبط ونرفض الاستسلام، ونحار للحظات فيما اذا كنا مؤمنين ام مجانين!

منذها وحتى الان عاشت اوروبا حربيها اللتين فرضتهما على العالم، وخرجت منهما لتعود فتبني نفسها دولة دولة، ثم تجمع دولها لتبني بالتالي وحدتها كقارة، محققة حلم كبارها بتحولها من قوى متصارعة الى قوة واحدة كبرى تعمل على التوازن مع الولايات المتحدة الاميركية والتحالف مع اسيا كقوة موازية.

منذها ونحن نعيش انقساماتنا التي فرضها علينا المستعمر، ونكرس التشريح الذي اجرته مشارط واقلام القوى الاستعمارية على جسد امتنا، نكرسه كواقع لا عودة عنه .

يفك الاردنيون ارتباطهم بالفلسطينيين فنفرح له، ويفشل، لاسباب بالغة التعقيد حلم عودة الكويت الى العراق، فنصفق له، واخيرا يطرح الان مطلب ترسيم الحدود وتبادل السفارات بين لبنان وسوريا فنوافق عليه. تفرض التأشيرات المعقدة بين كل قطر وقطر، وتقطع اوصال التبادل الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية، فيتراجع حجم التبادل التجاري الى ما وراء التبادل مع الدول الاخرى، بل والى ما وراء التبادل غير المعلن مع اسرائيل .

تأملات ساهمة، تغمرني والسيارة تعبر ما كان يسمى حدود بين فرنسا وبلجيكا، ومن ثم بين بلجيكا وهولندا… لا شيء الا اثار جدار صغير … لا شرطي، لا حواجز، لا معابر … لا تكشيرات ولا تفتيش يستلب منك ادميتك، لا ايد تعبث باشيائك وتجبرك على انزال كل شيء صغير في السيارة، حتى ولو بابوج عتيق او كيس صغير فيه قمامة ساندويش اكله ابنك .

اذكر رحلات العذاب التي عشتها عشرات المرات من عمان الى بيروت مرورا بأربعة نقاط حدود، اثنتان مزدوجتان . اذكر تعذيب اطفالي المضطرين بسبب اجراءات العبور الى البقاء عشر واثنتي عشرة ساعة في السيارة، اذكر لما اشعرتني تلك الاجراءات مرة وانا اسمع خلال الانتظار نشرة اخبار تقول ان صفقة تبادل اسرى مع اسرائيل جعلت مئات العرب مقابل اسرائيلي واحد .

اذكر فرحتنا التي لم تعمر مرة بتوحيد الحدود الاردنية السورية، وفرحتنا، التي يبدو انها ستحال الى الاعدام، بتسهيلات العبور التي تمت بين سوريا ولبنان.

يضربني صوت جبران التويني زاعقا قبل يومين في باريس بترسيم الحدود رسميا وفرض تبادل السفارات مشددا على ان »لبنان موجود قبل سوريا« حسب جملته الغبية الفاقدة لكل معنى . لكأنه جاء هنا مطالبا احفاد جورج بيكو باكمال عمل جدهم. لكأن هؤلاء الاحفاد الذين يوحدون اوروبا المجزأة امما ولغات وشعوبا، يضعون همهم في تجزئة المجزأ من بلادنا الموحدة امة ولغة وشعبا. ذنبهم؟ ام ذنبنا؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون