اجتمعا في عالم الموت، واتجه كل منهما وجهة : دنيس الى كوبا وكاترينا الى الولايات المتحدة.
غريب ان يختار الها الموت الرهيبان هذان، الدولتين العدوتين بل والمجتمععين النقيضين.
هل كان الامر عدالة الموت ؟ ام انه اختبار لنمطي الحياة الذين طالما تنازعا العالم، وبدا ان النمط الاميركي هو الذي انتصر وسيطر على العالم. ليكتب الصحافي البلجيكي ميشال كولون بالامس : ” ان كارثة نيواورليانز الرهيبة تبرهن مرة اخرى، على ما يمكن ان يؤدي اليه نمط الحياة الاميركية، حيث المنفعة اهم من البشر ”
وذلك بعد اشهر من قول جان ايجيلاند مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية، ان تعامل كوبا مع اعصار دنيس كان نموذجا يجب ان يحتذى، ليؤكد ذلك مدير اليو ان دي بي، وليعلق عليهما المسؤول الكوبي ايستول كاتلانوس : ” الفضل يعود الى نظامنا الاجتماعي، لا السياسي فقط “. اذ ان ما انقذ كوبا من كارثة الاعصار الذي ضربها في بداية تموز الفائت لم تكن فقط التدابير الحكومية الفعالة والوقائية وانما مشاركة جميع المنظمات الشعبية والاجتماعية والاهلية في التحضير لاتقاء الكارثة، في جو من التضامن الاجتماعي والتكاتف الشعبي.
كان دنيس بقوة 4 اي بنفس قوة كاترينا، وضرب منطقة فيها مليون ونصف انسان، ولم يذهب ضحيته الا ستة عشر شخصا فقط.
ليس لان كوبا اكثر اقتدارا من الولايات المتحدة، بل لانها ليست مجتمع الاغنياء على حساب الفقراء، ليست مجتمعا لا عامود فقري له الا ايديولوجية المنفعة، ليست مجتمعا دمرت فيه كل اشكال التضامن الاجتماعي وشطبت كل المبادىء الانسانية والتكافل، كما كتب صحفي غربي اخر عن الولايات المتحدة.
المنفعة، منفعة الاغنياء هذه بثمن موت الفقراء، منفعة الاقوياء على حساب الضعيف هي التي وجدت ترجمتها داخليا في احصائيات تقول ان ربع سكان نيو اورليانز من الفقراء، ان 44 بالمئة من سكان الولايات الجنوبية يعيشون تحت خط الفقر، وان هذه النسبة تصل الى 70 بالمئة في اوساط السود.
ووجدت ترجمتها خارجيا في غزوالعراق.
هي التي جعلت جورج بوش الذي يدعي قراءة الكتاب المقدس كل يوم يامر عام 2001 دائرة عمليات الانقاذ، بالتوفير في ميزانيتها، والخصخصة، ومن ثم ينقل الدائرة كلها عام 2003 الى وزارة الامن الداخلي بحيث تتحول الى فرع لمكافحة الارهاب…
كذلك يامر الرئيس الذي ياتمر بامر الله كما يقول، بتخفيض ميزانية ترميم حوض المسيسيبي من 14 مليون الى مليون ونصف دولار. ومن ثم يامر مرة اخرى عام 2004، باقتطاع 71 مليون من تلك الميزانية لاجل الحرب على العراق، مما جعل والتر مانشستري يقول : المال ذهب الى الامن والحرب على العراق واعتقد ان ما ندفعه الان هو الثمن.
اوليس من المفارقات ان يكون الحرس الجمهوري التابع لنيو اورليانز في معسكر ” الحرية ” بالقرب من بغداد ؟
وان يكون معظم عناصر بوليس المسيسيبي، في فرقة القوة الثانية في العراق ؟
ان يهدد حاكم الولاية فقراءه الذين حولهم الجوع الى النهب، بان ثلاثمئة عنصر عادوا لتوهم من العراق لديهم خبرة في القتل ويعرفون كيف يطلقون النار ويقتلون.ز واصبحوا مستعدين لذلك اكثر من اي وقت مضى ؟
كلفهم غاليا هذا العراق، ولكن الخير والبركة بجيران العراق من العرب الاشاوس الذين لم تصلهم صرخات فقراء ومنكوبي العرب، لم تصلهم صرخات اطفال العراق، ولكن اذانهم التقطت بسرعة، لا صرخات فقراء نيواورليانز بل صراخ الادارة الاميركية التي تحتاج الان الى اصدقائها في عالم الاثرياء لانقاذ نفسها مما اسماه مدير عملياتالانقاذ ” الفضيحة القومية الكبرى ”
فضيحة ان الولايات المتحدة هي بلاد ذات نظام سياسي امني، ولكنها بدون نظام قيمي…
وفضيحة ان هذا النوذج هو النمط الذي تعمل الانتلجنسيا الاميركية النافذة على تعميمه على العالم، وان اكثر المبهورين به، المنساقين وراءه ببلاهة او بعمالة هم…نحن.