حول الحملة الصهيونية على القرضاوي

صحيفة الدستور، 24-02-2005

جسم مائي سائل يتخذ شكل الاناء الذي يقررون لنا ان نوضع فيه. هكذا يريدنا هؤلاء الذين يحملون لواء صدام الحضارات.

والاناء واحد من اثنين، اما ذلك السلفي المتطرف الارهابي، واما ذلك الليبرالي، الذي لا تعود ليبراليته الى معنى كلمة الحرية، liberte التي نقدسها جميعا، لانها المضمون الحقيقي لاحترام القيمة الانسانية التي من اجلها نزلت جميع الاديان. بل الى تشويه كلي لمعنى الليبرالية، تشويه يلحقها بالانحلال الاخلاقي بكل ابعاده، الوطنية، المسلكية، الذهنية. انحلال يشىء الانسان، ويحوله جسدا وروحا الى سلعة تخدم اله السوق وفق تعبير روجيه غارودي .

ففي الغرب اليوم تياران: واحد يرى في فزاعة الاصولية الاسلامية المتشددة ضرورة للحفاظ على تماسك الذات بفعل العداء للاخر، بل ان هينتنغتون قد ذهب في كتابه الاخير: من نحن؟ تحديات الهوية الاميركية الى اعتبار ان التشدد الاسلامي والعداء للاسلام هما الضمانة الوحيدة الان للحفاظ على الهوية الاميركية .

وتيار ثان يرى ان المطلوب خلق اسلام جديد مفصل على المقاسات الاميركية، بحيث تحمل كل المصطلحات والمفاهيم فيه معاني جديدة، ولا بأس الا تكون لها اية علاقة بمعانيه الحقيقية، ورحم الله عبد الرحمن الكواكبي وصرخته حول عصر المفاهيم المقلوبة .

هاتان الصورتان هما اللتان يراد لاعلامنا العربي ان يكرسهما، واذا لم يفعل انصبت عليه الاتهامات.

واليوم اذ تصبح الفضائيات العربية، مد المحيط الهائل الذي يغطي العالم، والعالم الغربي بشكل خاص، في مقابل الجزر السياسي والحضاري الذي يصيب امتنا، تنتصب الالة الاعلامية والسياسية المتحركة بريموت كونترول اللوبيهات الصهيونية، جدارا هائلا من الاتهام والشيطنة، بمعنى اضفاء ملامح الشيطان سواء على المحطات ام على رموزها.

واذ تتحدث النظريات الاعلامية الحديثة عن »الفضاء الجيو لغوي« geolinguistique فان هذا الفضاء ينقسم في حال الفضائيات العربية الى اثنين: العالم العربي والديسابورا، والمطلوب من المحطات التي تبلغ هذا الفضاء ان تساهم في تمييعه وتغريبه وترسيخ حسه بالنقص ازاء الغرب وقطع صلته بهويته وتراثه وثقافته، اللهم الا ما صيغ منها وفق المعايير التي تحدثنا عنها.

غير ان المطلوب منها ايضا بنظر فئات اخرى هو الامساك بفرشاة الصباغ الاسود، والمساهمة في طلاء وجه الاسلام والعرب عشوائيا او بشكل مبرمج.

لذا فان اسلاما ظلاميا متشددا مفرغا من المضمون والمعرفة، يجد من يشجعه ويغذيه، مهما بلغت درجة تطرفه (حتى ولو تمت تلك التغذية عبر التحدي) اما الاسلام الحضاري، العارف، المستنير والمتجذر في آن، القادر على الحفاظ على الاسس والتأقلم مع تطور العصر، فهو ذلك الذي تلاحقه الاتهامات، وتخاط لاجله الستائر الاكثر سماكة وقتامة.

واذا ما حمل هذا الاسلام علامة كبير، من على شاشة فضائية هي الاكثر انتشارا والاكثرمصداقية في ذلك الفضاء الجيو لغوي، واضافة اليه في فضاء جيو ثقافي، فانه لمن الطبيعي ان تستعر الحملة لاتهامه واسكاته.

غير ان في هذا الغرب ايضا الكثير من العقلاء، من العلماء، من الذين يحترمون الحقيقة ويؤمنون بثقافة الحوار، هؤلاء علينا الا ننساهم، الا نحجب يدنا عنهم، بل ان ندعمهم، لانهم الوسيلة الوحيدة التي نستطيع معها ان نشكل خشبة خلاص في طوفان الكراهية هذا الذي يجتاح العالم والذي لا تجني ارباحه الا اسرائيل ولوبيهات المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة الاميركية.

المطلوب رأس العلماء، رأس العارفين، رأس القابضين على جمر الايمان، المؤمنين بدور حماية الشعلة من الانطفاء لاجل اجيال قادمة.

والمطلوب ايضا نسف الجسور وري شجرة الكراهية والرعب لينمو في ظلها هانئا المشروع الصهيوني وترجمته لدى المحافظين الجدد.

فماذا نفعل نحن، الذين ندعي امتلاك عيون مفتوحة ؟

ان علينا ان نعمل على حماية رموزنا، على ابراز وجهنا الحقيقي، على التصدي لمحاولة تشويهنا، واعتقد ان بامكاننا نحن العرب المسيحيين (ولا اقول المسيحيين العرب) ان نقوم بدور كبير، دور لايجوز اطلاقا ان نقول انه دور الوسيط، وانما هو دور السفير والشاهد، فقد ينفع ان يشهد له شاهد من اهله.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون