استكمالا للمقال السابق وللاجابة على السؤال حول الحوار بين الاديان والحوار بين الحضارات يطرح السؤال ايهما هو المطلوب، بل والجائز؟
بداية يجب ان يصب الحوار على موضوع الحضارات لا على موضوع الاديان. خاصة فيما يتعلق بنا نحن في العالم العربي وطبيعة الحوار الذي نحتاجه فيما بيننا ومع العالم وحضاراته. وذلك لاسباب موضوعية، تاريخية وواقعية تتعلق بالفوارق التكوينية بين مجتمعنا وسائر المجتمعات الاخرى.
فموضوعيا، الدين هو عنصر من عناصر كيان الامة والحضارة ولكنه ليس العنصر الوحيد. وتاريخيا هناك فارق اساسي جعله التاريخ بيننا وبين الغرب في هذا المجال بالذات. فقد كان قدر هذه المنطقة من العالم ان تنزل فيها الاديان تباعا. مما جعل الشعب الواحد، الحضارة الواحدة، السلالة التاريخية الواحدة تمر بعدة مراحل دينية، اذ يعتنق بعض افرادها الدين الجديد ويبقى بعضهم على الدين السابق.وابلغ دلالة على ذلك توزع الاسرة الواحدة على عدة انتماءات دينية. من هنا لم يكن اختلاف الدين اختلافا في الحضارة والثقافة وانما اختلاف في الايمان فقط. بينما ظلت وحدة الحضارة تجمع الجميع وان تلونت بمعالم هذه المرحلة التاريخية او تلك. واذا كانت سمة المرحلة الاخيرة الممتدة منذ اربعة عشر قرنا الى الان هي سمة عربية اسلامية، فان ذلك جعل هذه الحضارة العربية، حضارة عربية اسلامية ينتمي اليها الجميع على اختلاف اديانهم.بمعنى الانتماء الحضاري لا الديني الايماني. ويعني انتماؤهم هذا تشكل وجهها من ملامح من مزيج تأثيرها فيهم وتأثيرهم فيها. فيما يجعل المسلم العربي مختلفا عن المسلم الهندي والمسيحي العربي مختلفا عن المسيحي الاوروبي، في حين يتشابه كلاهما واحدا مع الاخر.
من هنا لم تكن ثمة حاجة للحوار الديني داخل المجتمع العربي لان ذلك اشبه بمن يحاور زوجته على شروط الزواج بعد ان يزوجا اولادهما ويصبحا اجدادا.
اما في المجتمعات الاوروبية الاميركية فالامر مختلف، حيث جاءهم تعدد الاديان مع تعدد الحضارات والثقافات. فاوروبا المسيحية لم تعرف الاسلام الا مع الهجرات التي تلت انتهاء المرحلة الكولونيالية، وحملت اليها الجاليات العربية والافريقية والاسيوية. جماعات تحمل دينا اخر وحضارة اخرى وثقافة اخرى. والامر اكثر تعقيدا وارباكا في اميركا. من هنا كان الحوار بين هذه الاديان حاجة ضرورية للوصول الى الاندماج والى تامين السلام الاجتماعي، خاصة بعد ان حصل اكثر هؤلاء المهاجرين على الجنسيات ودخلوا في الجيل الثاني او الثالث واحيانا الرابع من الهجرة.
بذا يحتاجون هم الى الحوار الديني لانهم يساعد على توحيد مجتمعاتهم، ولا نحتاجه نحن لانه يستعمل وسيلة لتفسيخ وحدتنا الاجتماعية القائمة والراسخة والتي لا تتفسخ الا عندما يدخل اليها المخططات السياسية الهادفة الى الافادة من التفسيخ.