حمى الهولوكوست!

صحيفة الدستور، 16-01-2005

اوروبا تعيش هذه الايام حمى ذكرى الهولوكوست اليهودي، لا يمكنك ان تفتح التلفزيون، او الراديو دون ان تغرق في بحر من القصص والشهادات. لا يذهلك الكم فحسب وانما الطريقة الفنية السيكولوجية التي يبنى بها البرمامج وتساق بها الشهادات.

سيمون فيل المرأة التي رئست يوما اليرلمان الاوروبي، تروي كيف انها اعتقلت مع امها واختها، وكيف ماتت الام العجوز ثم حررت الفتاتان. تتحدث عن تعاطف السجانة الالمانية معها، عن الاشغال الشاقة التي مارستها خلال وجودها في المعتقل، والمذيع الذكي الذي يصر على اعتمار القبعة اليهودية ( الكيبا ) رغم قوانين منع الرموز الدينية، يسالها: هل كان التعذيب الذي لقيته هناك اكثر صعوبة في جانبه المادي ام في جانبه المعنوي: الاذلال ؟ وتعتف السيدة ان المعنوي كان اصعب.

ينتقل ليسألها: خرجت وتزوجت : الم تشعري وانت ترزقين باطفالك كم هو صعب الا تكون لهم جدة ؟

واخيرا يسالها: انت تعيشين حياتك العادية، هل يمر يوم ولا تتذكرين فيه اشويتز؟

السؤال الاول، يزرع قيمة حقيقية للكرامة الانسانية، ويقدم درسا في اعتبارها.ربما ايضا لان التعذيب الجسدي لم يكن موجودا باستثناء الاشغال المتعبة التي كان يمارسها جميع المعتقلين. في جوابها تتوقف السيدة طويلا عند قضية الرقم : كان يطبع على ذراع المعتقل رقم يحل محل اسمه، وتعتبر ذلك قمة الاذلال. وهذا ما لا نعلق عليه ابدا نحن الذين نعرف تماما ما الذي يحصل في السجون الاسرائيلية.

السؤال الثاني، اجد فيه انا الاعلامية العربية درسا مهما في كيفية المقاربة القادرة على التاثير في المتلقي العادي. فما ينقصنا في الاعلام العربي حول عذاباتنا المذهلة من فلسطين الى العراق الى السودان الى لبنان هو هذه المقاربة الذاتية الانسانية التي تحقق التماهي بين المتلقي والحالة، فتجعله يعيشها. وذاك ما لايحققه الطرح السياسي الفوقي الذي يمر من فوق راسه، واذا لامس جلده فانه لا يعبر الى شرايينه.

اما النقطة الاخيرة والبالغة الاهمية فهي ان المسؤولة الاوروبية لم تنس، رغم عدم وجود سؤال مباشر، ان تهاجم الفضائيات العربية التي تشكك بامر المحرقة، وتجعل الشباب العربي، حسب قولها، يشكون في وجودها او في حقائقها. لذا تدعو فيل الى ممارسة نشاط مبرمج باتجاه هؤلاء الشباب لزرع القناعة بالمحرقة فيهم. وتضيف ان هذا المشاط قد بدا فعلا هذا العام بدعوة عدد من الشباب الفلسطينيين الى اشويتز حيث عرض عليهم ما يكفي لاقناعهم، تقول السيدة.

اخيرا، لاتنس هي، ولا المذيع الذي يدير حواره معها، بشكل اوركسترالي واضح ان ثمة اعتراضا قد يقول بان هؤلاء انما يعيشون في بلادهم محرقة اصعب. ولذا يستبقان ذلك بسؤال يطرحه المذيع : ما هو احساسك ازاء الذين يقومون بمقارنة المحرقة بالمجازر الاخرى في العالم. وترد بان ذلك لا يجوز قطعا لان الاسباب الايديولوجية والسياسية مختلفة تماما.

الاسباب الايدولوجية : لم تقل في انها الايمان بان اليهود ابناء الله المختلفون عن ابناء الناس الغوييم.لكن المذيع قالها بطريقة اخرى : انت كفرد تعبير عن قدر جمعي لشعب.

 

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون