لا ليس هذا العنوان مقتصرا على الفلاسفة، وليس المقصود به الرد على اتهام هؤلاء بالتهافت. وانما هو ما يقفز الى الذهن ونحن نرى التهافت العربي الرسمي على حضن اسرائيل. لكان النظام العربي الرسمي كان متيما بالهوى الصهيوني لكنه كان يخشى اولياء الامر من الشعوب ومن بعض الانظمة، التي – ولتخلفها الشديد – تكره الصهيونية ودولتها، تحلم بحال عربي ان لم يرق الى الوحدة والكرامة، اعتصم على الاقل بصبر الصمود على ما هو عليه الى ان تتغير الامور.
لكن المشكلة الكبرى في نظر هذه الانظمة هي تغير الامور : اذ سيعني ذلك تغير الاحوال الاقتصادية الى الافضل، ليس فقط على صعيد التنمية المستدامة، وانما ايضا على صعيد الشفافية ومقاومة الفساد مما سيمنع المسؤولين واولادهم الغالين ومن يسير في ركابهم من امتصاص دماء الناس وثروات البلاد، ويفك التحالف بين هؤلاء والرأسمالية الدولية متعددة الجنسيات حول ذلك. كما سيعني على الصعيد الثقافي واتعليمي مزيدا من الوعي الذي يحعل الانسان يشعر بآدميته ويطالب بحقوقها، مطالبة حقيقية لا تشبه باية حال ردة الفعل التي تتحول الى عصا بيد الاجنبي الساعي الى تحطيم كل شيء. كما ستعني، ونتيجة لذلك، على الصعيد السياسي مطالبة الشعوب بدور ديمقراطي سواء بالمعنى الداخلي ام الدولي : ديمقراطية داخلية تعني حكم الشعب اي: حقه في اختيار حكامه ومحاسبتهم، وديمقراطية دولية تعني حث الدول على المطالبة باحترام وجودها وسيادتها وكرامتها ومشاركتها في قرارات الامم.
هذا الغير هو ما يخشاه النظام الرسمي العر بي وتخشاه اسرائيل وتخشاه القوى الدولية المهيمنة، اذن هو القاسم المشترك الذي يخلق التحالف، ويجعل جاذبية كل طرف نحو الآخر قوة لا تقاوم، وهوى مكتوم ان اتيحت له الظروف خرج متدفقا.
واذا كانت اسرائيل قد تجاوزت عقدة الاعتراف عربيا ودوليا، فانها لم تتجاوز بعد مخطط الهيمنة. في المقابل لا يعيش النظام الرسمي العربي اطمئنان الاعتراف : فهو يعرف انه ليس قائما على الصعيد الداخلي الا بالفرض والتزوير والمصادرة، اذن لا اعتراف رغم كل المظاهر المرهونة بظروفها. كما يعرف ان الاعتراف به على الصعيد الدولي انما هو مرهون بتلبيته لشروط القوى التي تضمن بقاءه، ويكفيها ان تغضب من عدم كفاية ادائه لتحرك ضده القوى الاحتياطية الجاهزة لقلبه.
في الماضي كانت هذه القوى الاحتياطية تتمثل في الانقلابات العسكرية المحدودة التي قد تنجح وقد تفشل فتؤدي الى تمتين القبضة. اما اليوم فانها اصبحت تتمثل في جماهير شعبية تندفع الى الشوارع بمجرد ان يفتح لها باب الحديد. دون ان يهمها كثيرا التفكير فيمن يحركها وفي حقيقة غاياته. حيث تركها القمع المستمر العتيق، والجهل والفقر تبحث عن تغيير اي تغيير ولو آتى على يد الشيطان، كما ان انعدام الوعي السياسي لدى شرائح كثيرة منها، يجعلها تتحرك في اتجاهات لا تخدم الا اعداءها. هذا في حين ان القيادات البديلة جاهزة ومعدة.
اما الاخرون، القوى الشعبية الحقيقية الواعية الناطقة بلسان ضمير امتها، او ببساطة اكثر التي تسير في خط معاكس للخط الاميركي الصهيوني، فان الانظمة مع قوى الاحتلالات مع قوى العملاء، كلها كفيلة بقمعهم باسم الحرية والديمقراطية.