تقــابل

صحيفة الدستور، 01-02-2005

ثلاثة كنا، مغربيا، لبنانيا وانا، والمقهى الصغير يحتل زاوية هادئة، تواعدنا هناك لنذهب الى مكان اخر، ولكن الوقت انقضى دون ان نذهب الى اي مكان.

اي حديث مثير ذاك الذي اخذنا ؟ الصحافي والباحث في العلوم السياسية وانا.

الانتخابات العراقية ؟ طبيعي فذاك هو حديث الجميع الان. لكن لا، الذي اخذنا هو ذاك التقابل الحاد بين الرجلين حول سؤال مصيري بسيط : هل ما يزال هناك امل في الشعوب، هل ستكون هي الكفيلة بحسم الرهان التاريخي على المستقبل، ام انه لاخير فيها ولا امل ؟

اوليس هذا السؤال هو الذي يردده الالاف كل يوم؟

ولكن، هل هي السابقة الوحيدة؟ فليت التاريخ ان يفقد جزءا كبيرا من الشعب ثقته بنفسه، بناسه وبتاريخه، عندما تصاب الامم بالهزائم الكبرى؟

قبل الحرب العالمية الثانية عرفت فرنسا شاعرا غنائيا كبيرا اشتهر بقصائده الوطنية، ومنها واحدة شهيرة : يافرنساي. وبعد الحرب وهزيمة فردان كتب دو لارديو نفسه قصيدة تقول : اية نقطة ضئيلة يحتلها وطني على خارطة العالم !! لم يكن هذا الشاعر هو وحده من قاده الاحباط الى اليأس والى عدم احترام شعبه وبلاده، بل انه مثل شريحة كبيرة من مواطنيه. وفي تحليل عميق استعاد جان بيير شفينمان هذه الحالة التاريخية، ليستعيد معها تحليل ديغول من انها كانت في اساس تشكل حالة المتعاونين مع الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية.

كيف ؟ اليأس يحطم الايمان، يحطم الثقة بالنفس، يحطم الكرامة، وبذلك يحطم روح المقاومة التي لا وجود لها بدون هذه القيم. وهل العميل الا نموذج لمن فقد كرامته وايمانه بمستقبل شعبه وقدرته ؟

من اين ياتي الايمان والثقة والكرامة ؟- يسأل اليائسون او الميأسون – امن الهزائم ام من قمع الانظمة ام من الفسادالسياسي والاقتصادي والاخلاقي ؟

والجواب انه يأتي من واقعنا الذي تتكالب عليه كل هذه، ويستطيع رغمها ان يفرز حركات مقاومة، وناس تتقدم للتضحية بكل معانيها، واخرين يستطيعون مقاومة كل الاغراءات والحفاظ على رؤوسهم مرفوعة وايديهم وعقولهم نظيفة وسط المستنقع والعواصف.

كلام عواطف ؟ لا ابدا، بل هو اقرار موضوعي بواقع لا يستطيع تلمسه الا الذين يستطيعون ان يزاوجوا بين وضع المراقب ودور المساهم الفاعل، الذين يستطيعون ان يقرأوا الحدث كما يقرأ كتاب التاريخ لا كما تقرأ الصحيفة اليومية او كما تسمع نشرة الاخبار.

قفز فوق سوء الراهن، او هرب منه ؟ لا، فهو اكثر من سيىء، واكثر من مدمر، لكن هل يعني ذلك ان نستسلم له ؟ او الا نرى صرخات الحياة التي تتعالى في صحراء موته ؟

عندما تعيش هنا في الغرب، وترى هشاشة الناس في تحمل اي صعوبة، اي مشقة، تدرك كم نحن اشداء. وتسأل نفسك : لوتعرض هؤلاء سنة واحدة لما نتعرض له نحن منذ قرون، ما الذي سيحل بهم ؟

اخر نعي يرسله زميلنا اليائس هو نعي العروبة، والحس المشترك، وببساطة يرد عليه الاخر : هذه السيدة وانا، لم نتعارف الا منذ ساعة، وفي هذه العصمة البعيدة الغريبة، وها نحن نتكلم بحس واحد، بهم واحد، برؤية واحدة، بثقافة واحدة و بايمان تلقائي بديهي بقدر واحد.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون