حملة التلاسن بين جوني عبده وجميل السيد في جريدة الحياة هي اشبه بعملية تصفية حسابات اكثر من كونها حرصا على كشف اية حقيقة.
الرجلان امسكا بملف الامن اللبناني، والرجلان كانا بحكم ذلك متعاونين مع سوريا، والرجلان اشرفا على الملف الامني في لبنان، فلماذا اصبح العداء بينهما بهذه القوة ؟
روايتان بسيطتان تؤشران الى الاجابة كما تؤشران الى اسس العقلية التي تحكم الخيارات والمواقف السياسية في لبنان:
الاولى ما رواه محمد حسنين هيكل في مذكراته عن لقائه الاول برفيق الحريري، حيث قال ان ذلك حصل في الثمانينيات، أي قبل اتفاق الطائف، وذلك عندما دعي الصحافي الكبير الى عشاء على يخت رجل الاعمال اللبناني الثري انذاك : كان على يمين الحريري ذ يقول هيكل ذ جوني عبده، وقال هذا الاخير لهيكل : هذا الرجل سيصبح رئيسا لوزراء لبنان، فرد الحريري نافيا بالقول ان لا حاجة له بالوزارة وهو الذي يقيم علاقة مباشرة حميمة مع الملك فهد شخصيا، وينصرف الى استثماراته. وكأنما للصدفة جاء اتصال هاتفي من الملك ليؤكد الجزء الثاني من كلام الرجل.
اما الرواية الثانية فهي ما قاله نائب لبناني مقرب من سوريا في لقاء في عمان بعد التمديد للرئيس لحود، من ان جوني عبده كان مبلغا، حتى فترة قصيرة قبل التمديد، بانه هو الرئيس المقبل. لكن ظروفا اخرى طرأت وغيرت الامر لصالح التمديد للحود.
طبيعي ان هاتين الروايتين لا تشكلان الا لمحات بسيطة جدا من التركيبة الماثلة وراء الحدث، لكنهما، ومن باب دلالة الجزء على الكل، وبجمعهما الى النفس الذي يسود كلام جوني عبده لجريدة الحياة يفتحان الباب لتبين جزء من حقيقة الصراع والحرب الموجهة الى الاجهزة الامنية اللبنانية، الى رئيس الجمهورية والى سوريا.
فقصة هيكل تدل الى ابعاد التحالف بين الحريري وعبده والى دور الثاني في ترتيب الامور لصالح الاول، طبعا في ظل المظلة السعودية، وهو دور لم يكن عبده ليكتفي بمكافأة عليه مجرد قيادة المخابرات اللبنانية. وكان طموحه هذا قد كاد يؤتي اكله، بالتوافق بين الحريري والسوريين، الى ان تدخلت عوامل اخرى لصالح بقاء لحود.
هذه العناصر الاخرى هي ما يحاول عبده تحديده بدائرة الاجهزة الامنية اللبنانية وعلى راسها اللواء جميل السيد، اذ يقول ويكرر ان سوريا اتخذت قراراتها بناء على تقارير هذه الاجهزة. اذن هي اللقمة التي وصلت الى باب الفم وازاحها لحود والسيد فكيف لا يكون الحقد عليهما كبيرا؟
ويكفي للمتابع لحوار عبده ان يلاحظ التكرار الهاجسي لموضوع التمديد، حتى في الاجابة على اسئلة لا علاقة لها بذلك، فيما يبرز ما يمثله ذلك الموضوع للرجل.
اذن هو تحالف الحريري ذ عبده، كاد ان يستلم السلطة فابعده عنها تحالف لحود ذ السيد.
فلماذا استبعد عبده ؟ هنا يكمن سؤال مهم في صلب المسألة اللبنانية سيكشف عنه الزمن.
واذا كان الكثيرون ارادوا من جعل ذلك مدخلا لضرب سوريا، فان عبده يؤكد ان الحريري كان يرفض ذلك وان كان يريد التوصل مع دمشق الى علاقة شراكة تضمن ماء الوجه، كما تضمن المستقبل للطرفين.
اذن كان هناك تياران فما اسموه المعارضة: واحد يريد اخراج سوريا بأسرع ما يمكن وبشكل مذل كمدخل لضربها تنفيذا لما يريده حلفاء الصهيونية في الغرب وفي لبنان، وواحد يريد ترتيب العلاقة معها في صيغة توافقية تضع حلولا للمستقبل وهذا ما كان يمثله الحريري.
عبده يقول ان قرارات اغتيال لا تتم بناء على ماضي الانسان بل على ما يمكن ان يكون عليه مستقبله، فهل في هذا يكمن الجواب البسيط والمعقد على اغتيال الحريري؟
جواب يسهله سؤال اخر: لو كان الرجل ما يزال حيا، هل كانت الامور والتحالفات قد رتبت كما هي عليه الان داخليا على الاقل؟