اكثر فأكثر تمضي الصحافة الغربية في المقارنة بين ما يحدث في العراق وبين التجربة الفيتنامية. فمع زيارة دونالد رامسفيلد الى العراق، وحديثه عن امكانية انسحاب القوات الاميركية من العراق مع الابقاء على ثلاثة الاف مستشار عسكري، اضافة الى القواعد التي يتعمد عدم ذكرها، تعود الى الاذهان تجربة توكيل القوات الفيتنامية الجنوبية بأمر الفيتكونغ.
ولا يحتاج الامر للكثير من التدقيق لنلاحظ انه منذ وصول السفير نغروبونتي الى العراق، وبشكل اكثر منذ الانتخابات، ارتفعت نسبة العراقيين في صفوف ضحايا المواجهات بين المقاومة والمتعاونين. كما ارتفعت نسبة الاغتيالات التي تتم تحت ستار الصمت، ليس في صفوف السياسيين والمقاومين فحسب، وانما – وذاك هو الاغلب – في صفوف العلماء والاكاديميين.
غير ان وجوه شبه كثيرة تغيب عن المقارنة بين التجربتين الفيتنامية والعراقية، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي. بدءا من وحدة المقاومة الفيتنامية ايديولوجيا وتنظيميا، وانتقالا الى الامتدادات الدولية لها والقوى التي كانت تدعمها وعلى رأسها الصين وروسيا، وانتهاء الى طبيعة المرحلة.
لكن هذه المقارنة لاتقود حكما الى التشاؤم القطعي، بل يجب ان تشكل ارضية للتحليل ولرسم ستراتيجية المقاومة على الصعيدين المذكورين. ستراتيجية لا بد لها وان تتجه نحو شكل ما من اشكال الاتحاد ان لم يكن الوحدة، ونحو فتح خطوط ما من التواصل الدولي الذي يمكن ان يتطور الى دعم. فالتاريخ هو كل شيء الا الجمود والثبات، كما يقول المبدا المعروف في هذا العلم، وربما يكون احد الاسباب الرئيسية في هذه الحركة الدائبة هو حركة مصالح الشعوب وعلاقاتها. فاذا كان التاريخ حركة فان العلاقات الدولية مصالح. واذا كان الجدل النظري يظل قائما بين ان تكون حركة التاريخ حتمية او مدفوعة اراديا، فان علاقات المصالح هي مرسومة ومصنوعة اراديا بما لا يقبل الشك. وهل العمل السياسي بآليته الحقيقية الا تأمين مصلحة الجماعة وفق الرؤية التي يتبناها السياسي نفسه ؟
(طبعا هذا من حيث المبدأ، وفي المجتمعات والدول التي تعيش العمل السياسي الحقيقي، لا في المزارع والاقطاعيات التي تسمي نفسها دولا.)
من هنا فان على المقاومة، بشقها السياسي، ان تجد مسارب الى علاقات خارجية تدعمها ولو بنسب متفاوتة. وهو رهان لا يغيب اطلاقا عن ذهن المحتل واعوانه، بحيث اننا نشهد تعتيما وخنقا لم يسبق لهما مثيل حول كل تحركات القوى المعارضة للاحتلال، وحول امكانية التواصل معها.
لكن ذلك لا يعني اليأس، فموضوع العراق ليس قضية يمكن تمريرها بسهولة، وها نحن نشهد بالامس احد الامثلة، خلال لقاء الرئيسين الاسباني والفرنسي في برشلونة، لاطلاق حملة التصويت على الدستور الاوروبي. لقاء صفق فيه الجمهور مرارا لطروحات الرئيسين لكن هذا التصفيق كان الاقوى والاطول مدة عندما حيا زاباتيرو شجاعة الرئيس شيراك فيما يخص الحرب على العراق.
ظروف كثيرة تفسر ذلك، دون شك، تتعلق بمصلحة الرجلين ومصلحة اوروبا، لكن، اولم نتفق على انها علاقات مصالح؟!