هل من مصيبة اكبر من الاحتلال؟ للوهلة الاولى نقول لا. لكن قراءة التاريخ تقول شيئا اخر. فما من احتلال الا وزال طال امده ام قصر. لكن اثارا اخرى تتركها بعض الاحتلالات تترسخ كلما مر عليها الزمن وتصبح كالامراض المستعصية.
عرفنا الاحتلال العثماني، لكنه زال دون ان تزول اثاره وما زلنا نعاني منها حتى اليوم. وعرفنا الاحتلالات المختلفة من فرنسي وبريطاني وايطالي، ولكنها كلها زالت لتبقى اثارها تحفر في العظم والنخاع.
الاحتلال يتآكل مع الزمن، لكن امراضه تتعمق. الم يعمق الزمن اكثر فاكثر اخاديد سايكس بيكو؟ الم يصبح الكلام عن اعادة لملمة اجزاء الخريطة الواحدة التي مزقها الانكليز والفرنسيون بقلمين ازرق واحمر، على ذات طاولة، في ذات يوم من نهايات حرب عالمية، من باب كلام اليوتوبيا والاحلام؟
كان ابي المهاجر في اميركا الشمالية في بدايات القرن يقول لي ان اترابه من المهاجرين لم يكونوا يحملون الا كنية السوريين، وما قاله ابي ببساطة كان يقوله جبران خليل جبران بتلقائية عادية في جميع كتاباته. غير اننا اصبحنا اليوم بحاجة الى مطولات لنشرح ان سوريا واحدة وان اسمها لا ينطبق فقط على الشام.
من هنا يكون اخطر ما يتهدد العراق الان هو التقسيم لا الاحتلال، وليس الثاني في الواقع الا وسيلة لفرض الاول.
وسيلة الصهاينة اولا، ومنذ ما قبل قيام الدولة العبرية قال بن غوريون ان الخطوة التالية لقيام الدولة يجب ان تكون تقسيم العراق، ليأتي بعده بعقود، عوديد ينون، مستشار مناحيم بيغن، محددا استراتيجية اسرائيل في الثمانينات، بانها يجب ان تقوم على تقسيم العراق الى ثلاث دول: دولة كردية في شمال العراق واخرى شيعية في الجنوب وثالثة سنية في الوسط، ومن ثم تقسيم الوطن العربي كله على اسس عرقية وطائفية.
واذا كان الحظ قد قيض للصهيونيين سايكس وبيكو في المرة الاولى، فانه قد قيض لهما جورج بوش والمحافظون الجدد في المرة الثانية. لكن غياب الوعي بالخطر يومها هو غير الوضوح الذي ينتشر على افق المرحلة الحالية. فهل ستتطابق النتائج؟