هذا الصباح اختار ان ابدا نهاري بمحطة اورو نيوز، بدلا من الجزيرة او غيرها من الفضائيات العربية او الفرنسية. النشرة الاخبارة تستغرق ساعة كاملة، تبدأ بالطبع بعملية شرم الشيخ، ويأخذ الخبر اكثر من عشر دقائق، بعدها ننتقل الى لندن والعمليات الارهابية وقتل الشاب البرازيلي واصرار مدير اسكوتلنديارد على امر اطلاق النار على رأس أي مشتبه به، حتى ولو كان السبب الوحيد للاشتباه ان المعني ركض فجأة…. وكأنه على من يقرر ان يركض في حضرة البوليس ان يقدم طلبا او علما وخبرا مسبقا ليتم اعلام الشرطة بذلك، او ان يتقدم من عناصرها ويستأذنهم!.
الخبر الثالث يذهب بنا الى افغانستان، والارهاب الذي يمارسه بقايا طالبان – بحسب تعبير المحطة – ومن ثم الى العراق حيث يفجر هذا الارهاب اكثر المشاهد دمارا. اخيرا تفجير اسطمبول ومن ثم حرائق البرتغال .
ليس المهم هنا تسلسل هذه الاخبار التي استغرقت اكثر من نصف النشرة، بل الاهم طريقة صياغة الخبر، وطبيعة الصور المختارة لمرافقته، بحيث تضع المشاهد في اقصى حالات التوتر والغضب، غضب لا يدري ضد من يوجهه، وليس امامه الا الاسلام من جهة وهذا العالم الثالث المتخلف حتى التوحش من جهة ثانية.
الاحساس الاخير هذا، هو ما يأتي ليعززه الانتقال المفاجىء من صور الرعب والدمار الوحشي التي سممت كل ما في الشرايين وشحنتها بالحقد والازدراء، الى صورة بضع ايد انيقة مرفهة متشابكة تنتقل منها الى وجوه المجتمعين لاستئناف الحوار الامريكي الكوري الشمالي، وخبر يطول هذه المرة ايضا عن الحوار ومعه الوجوه الباسمة والبذلات الانيقة النظيفة واعلان انتهاء مفهوم محور الشر والركون الى الريل بوليتيك.
يعقب الخبر المطمئن الهادىء هذا خبر اخر مطول عن استعدادات الولايات المتحدة الامريكية لاطلاق رحلة فضائية جديدة، وحديث مع امرأة باسمة هي احدى روادها، وعالم اخر من المشرفين عليها.
واخيرا، باص شيشاني يصل الى موسكو يحمل فرقة فولكلورية بديعة تقدم عرضا مرحا سعيدا في شوارع العاصمة الروسية »في محاولة من هؤلاء الفنانين لتحسين صورة بلادهم« كما يقول المذيع.
محاولة بسيطة لاختزال النشرة كلها بست كلمات: ارهاب، وحشية وتخلف من هنا، وحوار، توق سلمي، وتطور علمي من هناك. اذن فكيف سيتردد المشاهد في الاختيار؟ كيف سترتسم نظرته الى كلا الطرفين؟ وبما ان المشاهد هنا اوروبي، اذن فكيف لا يتجه ميله الى الولايات المتحدة الامربكية، الى سياساتها في العالم؟ كيف لا يوافق بالتالي على كل ما تؤدي اليه هذه السياسات حتى ولو كان الاحتلال او القتل او القمع؟ كيف لا تصبح الكفة الراجحة هي كفة حلفائها: حلفائها على الساحة الاوروبية: اولا، لان هذه الساحة هي مجال الصراع الرئيسي بين اتباع الامركة ودعاة الاستقلالية، وثانيا لان المشاهد المقصود اوروبي، وثالثا لان الاحدات جعلته يشعر نفسه مستهدفا، فيما يحقق نظرية مهمة جدا في الاعلام هي نظرية التماهي، أي تلك التي تعتمد على جعل المتلقي يشعر بالتماهي مع الطرف او الفكرة التي نريد لها التأثير.
تلك هي لعبة الاعلام الخطيرة، التي لا تدور في الغرب الا ضدنا، ولا ندري لماذا لم يفكر بعد المستثمرون العرب في محاولة اختراقها؟ غير اننا قد نندم اذا ما اخترقوها لان اموالهم قد تحول لخدمة المخطط الاخر…. أي بلاء!!!