الإنقاذ العراق، ام لانقاذ السعودية، ام لانقاذ المنطقة؟… ام لانقاذ الاميركيين.. يتوجه وفد الجامعة العربية الى العراق؟ ولماذا لم تتحرك المؤسسة العربية الا مع اقتراب التصويت على الدستور العراقي ؟ اما اذا كان الجواب بانها تحركت ردا على النداء الذي اطلقه سعود الفيصل، فلماذا يطلق الفيصل نداءه الان؟ الان شظايا النار العراقية بدأت تطال قش المنطقة الشرقية من المملكة؟ ام لانه وهو العليم بالخطر الذي يشكله هذا الامتداد يحاول شراء سلامة بلاده من الاميركيين بالاستجابة لمخططهم في العراق؟ رهان الادارة الاميركية منصب الان بكليته على تمرير الدستور الاميركي اليهودي الذي جيء به الى احفاد حمورابي جاهزا للترجمة، ولم نعرف ممن وضعوه الا نوح فيلدمان اليهودي الذي رضع الاصولية في ازقة بروكلن. غير ان معرفة الجزء تؤشر الى الكل بما يكفي.
من هنا يكون كل تفعيل لحدة الشحن الطائفي في العراق الان، هو بمثابة خدمة ذهبية للمخطط الاميركي الصهيوني، لان هذا الشحن لا يخدم التصويت لصالح الدستور فحسب وانما يسهل تمرير المرحلة التالية من المخطط، أي التقسيم.
بذا لا بد من بروز التساؤلات حول كل صوت يصب الزيت على النار، من السياسيين الى وسائل الاعلام، التي يبدو وكانها وظفت كليا في الحملة المذكورة فتحولت كلها وكل برامجها الى برنامج اتجاه معاكس طرفاه سني وشيعي فحسب، في غياب الصوت الاخر الذي يرفض فسخ جسد الوطن الى شقين ورفع قلبه على راس رمح العدو.
هذا الصوت المغيب، العراقي والعراقي فقط، هو الذي تحتاجه المرحلة، لمواجهة مخططات التقسيم والالغاء، مخططات لا تطال العراق فحسب وانما تمتد الى سائر كيانات الارض التي نسميها نحن سوريا الكبرى ويسميها الصهاينة اسرائيل الكبرى.. وهنا يكمن كل الصراع. غير ان الصراع لا يتوقف عند هذا الخط الذي يشكل الخط الاول وانما يتعداه الى الثاني وفيه تتصدر المعركة دولتان: مصر والسعودية. لذا لم يكن من قبيل الدعاية او التخويف ما كانت تذكره دوائر الانتلجنسيا الاميركية بخصوص موقع هذين البلدين في السيناريوهات المرسومة للمنطقة. منذ ان كانت الازمة العراقية على اشدها قبل الاحتلال، حيث كنا نقرا ونسمع تداولا حول ترتيب دوري موضوع للدول العربية التي تتمتع فعلا بالمقومات التي تجعلها صالحة لان تسمى دولة بالفعل ، وذلك بصرف النظر عن سياساتها ازاء الولايات المتحدة الاميركية او غيرها.
وعندما خرجت احدى الصحف الاسرائيلية بعنوان عريض : ” اليوم العراق وغدا السعودية ، اما مصر فهديتنا الكبرى !” لم يكن ذلك من باب التهويل الصحفي او استعراض العضلات ، اذ ان هذه الصحافة ليست وللاسف الشديد اعلام احمد سعيد.من هنا يكون اعلان كونداليزا رايس عن ان الولايات المتحدة قررت تأجيل انزال عقوبات بحق السعودية لعدم احترامها الحريات الدينية ، نقطة مركزة ومرسومة في الاستراتيجية التي جاء فيها دور السعودية . وعندما نقول جاء الدور ، فان ذلك لا يعني ان النتائج ستظهر غدا ، او انها ستترجم عملا عسكريا اشبه باحتلال العراق . ويكفينا لتبين ذلك ان نتذكر مسار قانون معاقبة سوريا والتعرجات التي قطعها منذ حوالي عشر سنوات ، وما وصلت اليه الضغوط على سوريا الان ، وما يمكن ان تصل اليه في المستقبل . او ان نذكر الحملة التي تعرضت لها ليبيا والمآل الذي آلت اليه ، حيث اشترى القذافي سلامة نظامه بسخاء ، سخاء مالي وسخاء في التعامل مع اسرائيل والولايات المتحدة نفسها ، انتهى بتصريح القذافي بأن زمن العداء للولايات المتحدة الاميركية قد ولى ، وحل محله زمن البحث عن صداقتها ، ولا يحتاج الامر الى كبير تحليل لنفهم المتطلبات التي تقتضيها صداقة الولايات المتحدة ، حيث يدفع المهر مقدما ومؤخرا في اسرائيل . وثمن تحاول سوريا ان تتملص من دفعه كاملا بان تدفع بنودا منه ، او تدفع رشاوى ذات اليمين وذات اليسار لتفاديه .
واخيرا ثمن نلحظ كيف تلجأ السعودية ، وبذات الاسلوب السوري الى تفكيكه : فبالامس تعلن المملكة انها اذا ما دخلت اتفاقية الغات لن تكون لديها تحفظات على التعامل الاقتصادي مع كافة الدول الاعضاء في الاتفاقية ، وقبلها جاءت الانتخابات البلدية ، واليوم نقرا في جريدة الشرق الاوسط حديثا لابنة الملك عبد الله بن عبدالعزيز حول قوانين جديدة للحريات في عهد ابيها . ولا يخفى ما يشكله ذلك من سابقة ثورية بالنسبة للملكة ، سواء من حيث حديث اميرة ابنة ملك الى الصحافة ، ام من حيث مضمون حديثها . دون ان ننسى ان خطة الامير عبد الله للسلام في المنطقة هي نفسها في اساس عملية الالتفاف هذه . من جهة اخرى يكفي ان نلحظ التزامن بين تهديدات بيان جبر للسعودية ، وتصريح كونداليزا رايس ، تزامن لا يمكن ان يكون من قبيل الصدف . فالوزير العراقي في حكومة الاحتلال يهدد السعودية بشيعتها ، الذين قد يسيرون الى الانفصال اذا ما انفصل شيعة العراق . والوزيرة الاميركية تهدد المملكة بقانون معاقبة خارجي ، وهكذا يتضافر الضغط الداخلي والضغط الخارجي ليرقصا على ايقاع واحد ، مكملين فكي الكماشة ليتشكل السؤال الجوهري : ما هو الثمن الحقيقي الذي ستقدمه السعودية للخروج من النفق ؟ وبالتالي الام ستدفع حلفاءها في المنطقة وفي العراق ؟ وبأي اتجاه ستستخدم تاثيرها في الجامعة العربية ؟ علما بأن كل المبررات والمسوغات ، لا تجيز انتهاج الخطاب الطائفي ، سواء للتحليل او للانتقاد او لدق ناقوس خطر . لا يجوز ان يتحدث احد بتوصيف سني او شيعي ، او غيره ، بل بصفة المواطنة التي تنجم عنها دستوريا وشرعيا جميع الحقوق وجميع الواجبات ، وما لم نصل الى ذلك فلن نجد سبيلا الى نزع فتيل التفجير الذي سيقضي على االوجود العربي كله .واذا كان من الطبيعي ان ينتهج العملاء والمرضى ومن يريدون هذا التفجير، هذا الخطاب لانه يخدمهم فالطبيعي ايضا ان يبحث الاخرون عن الخطاب البديل ويفعلوا كل ما في وسعهم لخنق الاول.