الى رشاد!

صحيفة الدستور، 21-07-2005

صباح الخير يا رشاد!

مثلي انت لا تحب كثيرا نداء »ابو«، رغم انني لم اعرف مثلك مغرقا في ابوته حتى الوله.

لكأنك رجل مغرق في كل شيء يعني الآخرين حتى عجزت عنهم سعة شرايينك !

لا. سلامتك من العجز عن الحياة، فلك فيها متسع كبير، ولها اليك حاجة كبرى.

تضرب مقالتك شراييني هذا الصباح الباريسي الفاتر… لاتصدق ان درجة الحرارة في الغربة يمكن ان تبلغ معدلاتها الانسانية مهما جهدنا في التأقلم. لكن. متى لم نكن غرباء؟ وهل ضيق شراييننا الا بهده الغربة ؟

أي قدرهي لنا حيث ذهبنا، لكأنها لعنة هذا الزمن الصعب تلاحقنا حيث كنا. واغرب الغرباء غريب مكانه منذ التوحيدي!. أي حميمية هي تلك التي تربط قبيلة الغرباء المتمردين على القبيلة، والعاجزين عن انانية الخلاص الفردي مهما توفر.

لا. لا اراك ابدا على سرير ابيض. اراني منسلة من ضيق العام او من ضيق الخاص في ازقة »الدستور«، اشق بتأن باب مكتبك، علك في فسحة برهة من ضغط العمل، تركب معي قارب الغوص والابحار في اعماق ما يحتاجه الاصدقاء الدين جمعتهم الرؤية والهموم وتشابه الانتماء الى عالم كم بات اهله قلة !!

هو صباح الجمعة، وهدوء المبنى، وقهوة الصباح، و…. خليل قنديل. لمادا خليل رغم كل الذين تجمعهم جلسة الصباح لديك ؟ لا ادري. لكنك قد تدري.

اسرتك: باسل، حسام، داليا، وامهم، لم اعرفهم، لكنني اعرفهم جيدا لحضورهم الدائم في عينيك ونبرة صوتك وافق همك.

ابواك، لم اعرفهما، لكنني اعرفهما جيدا، لانهما حاضران ابدا في ذاكرتك الحية النابضة.

امك الاخرى الاكبر، تلك التي نعرفها كلنا اسما نضاليا، لست انت من اولئك الذين اكتفوا بدائرتها المجتزأة، بل انك تعيش يوميا واقع كونها قلب الام الكبرى، تلك الام التي توزع علينا محيطات همها من احتلال الى احتلال، ومن موت الى موت ومن تآمر الى تآمر ومن فجيعة الى رعب توقع الاخرى. مرة قلت لي : مساكين هؤلاء الاقليميون المنحصرون في اقطارهم الصغيرة، كم يشعر واحدنا انه اكبر واوسع عندما يعيش بعده القومي !! لكننا نحن ايضا مساكين لاننا نعيش الهم اكبر واوسع، وما اكرم هذا التاريخ علينا بالهموم. ما اغربه وهو ينقلنا الى عالم ومرحلة تكاد لا تضربنا الا بالحقارات والتفاهة وضياع المعايير. حتى اذا تحالف العام والخاص كان من الطبيعي ان تضيق بهما الشرايين.

تضيق وتعود فتنفتح، ثمة اجازة قصيرة من التدفق، او ربما اصرار جميل على الحياة، وهي تستحقه رغم كل شيء!

غير ان ثمة سؤالا لم افاجأ بانه راودك وانت تقتعد بلاط الخطر : وانا ؟ اين انا في كومة القش التي افرزها بيدر حصاد حملت قمحه لكل الآخرين ؟

اين كان صوت الانا الضائع في هدير السيل، الدي ننسى ابدا انه لا بد سيؤول يوما الى مصب ؟

قصيرة هي الحياة، صعبة، لكنها حلوة وجميلة. علينا ان نؤمنها كدلك لكل من نحب، على ان نجعل الانا داخل دائرة هذا الحب. لاننا ان مضينا سنمضي وحيدين، ولان ما من شيء يستحق بلع الهم حتى غصة الشرايين!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون