إلى جورج حداد

صحيفة الدستور، 05-10-2005

من بعيد يصلني باسم سكجها مرة اخرى (وهو يذكر الاولى طبعا) بذاك الهناك، فشكرا له.

تمسني كلماته الصادقة وتعبر الى ما تحت الجلد، هذا الرجل الذي تربى في بيت نضال، لا يتنكر لتقديره للمناضلين، وتربى على أب جمع اصالة المهنية الى اصالة الالتزام، لا يتنكر لمن يجسد تاريخا من المهنية والالتزام.

اعرف انك على سرير المرض واصلي لشفائك، انا التي قليلا ما صليت، لانك لست فقط الصديق والرفيق والاخ الاكبر، بل لان مرحلة الاقزام هذه لا تتحمل نقص الكبار، وقحط الرجال لا يتحمل جفاف نبع، وفقر المواقف الوطنية الصلبة والحقيقية لم يعد يسمح بغياب عنصر ثراء. غياب لا اقصد به الفقدان، لا سمح الله، وانما مجرد الغياب لفترات، لايام او لاسابيع، وفي هذه المرحلة. مثله صديقنا باسم، اقول لك يا جورج، اشتقنا… هل خرجت من قلبه وقلمه تلقائيا فعبر بها عما في نفوسنا كلنا : اشتقنا اجل لصوت من اصوات الرجال الذين ينقذوننا من نقيق الضفادع، ونداءات الباعة المتجولين واعلانات اصحاب الدكاكين .

صوت قد تختلف معه وقد تتفق، لكنك لا تملك الا وان تحترم. صوت لم تتعود يوما عجيزته على القفز من اليسار الى اليمين، في رشاقة اين منها فيفي عبده، ولم يقع ابدا في تفاهة الكتابة لاجل الاعتراف الاجتماعي او تسول اسم كاتب او تسول امور اخرى ” تصغر في عين الكبير كبارها ” بضعة مثلك ، ما يزالون يزرعون الامل ، ويقفون على قاعدة صلبة لم يبدلوها ، ويتشبثون بهوية يسافرون الى الاخرين على اساسها، وبلغة يخاطبون الاخرين بها . ميزتها صدقها ولذلك تصل، دون ان يعيبها ان يكون هناك اجماع على ما تحمله ، اذ ان ديدنها هو اطلاق الصراع الفكري التعددي ولكن على اساس القناعات الحقيقية البعيدة عن النفاق الكلامي ، وتحت سقف مصلحة الامة وثوابتها .

لي انا ؟ انت شيء اخر ، شيء اكثر ، اضافي … عرفتك قبل ان اراك ، رمزا من رموز الحركة التي انضممت اليها شابة ، فطبع فكرها حياتي كلها وفكري على نموه وتطوره . عرفتك كاتبا واعلاميا ومؤلف اغنية شعبية رائجة ، ولم يات ببالي يوما ان تهب العاصفة المجنونة فتقتلعني من جزء من ارض بلادنا وترميني في الجزء الذي انت منه ، لاجدني يوما اسكن زاوية يومية موازية تماما لتلك التي تخاطب منها انت الناس . يمين هذه ويمين تلك ، و – للغرابة – ” على الدرب ” و …” كما هي”. فهل كنت دون ان ادري اختار اسما لزاويتي هو بمثابة رسالة لك وللجميع باننا ابدا على هذه الدرب ؟ كما هي . لا بمعنى التحجر والجمود وانما بمعنى الثبات على خط دون الثبات على مسافة ، فاول الدرب معروف اما اخره فلا متناهي والسير عليه رحلة صعبة بقدر ما هي جميلة … ولعل من مكامن جمالها ان ركبا جديدا ، جيلا جديدا يلتحق بها عند كل خطوة ، لذا تظل الامة بحاجة الى اصوات ادلاء العبور … وانت احدهم

 

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون