الهدف النهائي!

صحيفة الدستور، 15-10-2005

استراحة اسبوعية للكاتب اليومي وللقارىء، هكذا حدد استاذنا المرحوم محمود الشريف طبيعة زاوية مع الحياة والناس عندما انشأها. ولكن هل لكاتب تجعل الصدفة دوره اليوم ان يرتاح ؟ ليس فقط لان مصائب الامة تتألب على راسنا، فذاك حل كل يوم، بل لان ما يحصل اليوم في العراق حدث استثنائي على صعيد الاستئصال واعادة التشكيل. استئصال اول ما يستهدف قلب الذاكرة، واعادة تشكيل يستهدف دماغ انسان شكلته خصوصيته عبر الاف اعوام هي عمر الحضارة الانسانية، وبنية جسد امة تمنع عنه الدورة الدموية. اذ تضخ في كل شبر من شرايينه دهون وادران الطائفية والعرقية العنصرية، بشكل متواز مع سحب الخلايا الحمراء، مصدر القوة، والخلايا البيضاء مصدر المناعة. استئصال الذاكرة ؟ لا بل واكثر من ذلك، احلال ذاكرة اخرى مكانها. لكأن المفهوم الاحلالي الذي تبنته الصهيونية بحق الناس، متميزة به عن أي استعمار اخر، قد تم ترحيله الى مجال الذاكرة الجمعية، كي تصبح هذه الامة شجرة بدون جذور، مقلوبة في العراء. طالما كانت الحرب على الذاكرة ضروسا فيما يتعلق بتاريخنا القديم، كي يقال لنا اننا لقطاء حضارة لا حق لنا في اية ثقة بالنفس، وما علينا الا ان نقبل ما يدفع علينا. لكن ما يضاف الى ذلك اليوم هو ان يقال لاولادنا انهم ايضا لقطاء تاريخ حديث، لم يبدا الا مع الاحتلال الاميركي للعراق، حيث حملت لنا بركات المارينز بنية الدولة والمجتمع، ووسمت ايامنا الوطنية. في هذا السياق جاء اختيار يوم 15 تشرين تاريخا للاستفتاء على الدستور الاميركي للعراق، وهذا ما يعرفه الكثيرون. وفي هذا السياق ايضا قد تاتي لاءات بوش الثلاث التي اعلنها قبل يومين، نسخا احلاليا لمصطلح اللاءات الثلاث في الذاكرة الجمعية العربية. فمن من جيلنا لا يذكر لاءات الخرطوم، ومن من ابسط المواطنين المهتمين بالعمل السياسي لا يعرف مضمون هذه اللاءات. وها هي لاءات بوش تاتي لتنسخها بنقيضها، فالتفاوض المرفوض الان ليس التفاوض مع الاسرائيليين، ورافضه ليس الطرف العربي، وانما هو تفاوض المحتل الاميركي مع المقاةومة العراقية. في حين ان الاحتلال المطلوب رحيله الان هو الاحتلال الاميركي، عن ارض العراق، ورافضه هو المحتل نفسه وضميره المستتر اسرائيل. اما التنازل عن الارض والثوابت فيسير على منزلق صابون، واما الاعتراف فقد بات من باب اخفاء العشاق لقصص حبهم خوفا عليها. غير ان الاعلان الاخطر في كل ما قاله جورج بوش بلاءاته الثلاث، انما هو بقاء القوات الاميركية الى حين تحقيق كامل الاهداف. هنا يطل السؤال وبيده ناقوس الخطر الحقيقي : ما هي الاهداف النهائية ؟ النفط واسرائيل والشرق الاوسط الكبير ؟ لا فما هذه الا تفاصيل الهدف، اذ ان التماهي الكامل المتحقق الان بين ادارة المحافظين الجدد والصهيونية، يجعل من الهدف النهائي ذاك البند الثاني في الشعار الصهيوني : حكم الصهيونية للعالم انطلاقا من ارض الميعاد.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون